الحرائق وغياب الخطط الوقائية

محمود الاحمدية

بعد موجة الحرائق الأخيرة التي هدّدت أحراج بعبدا وبطشاي وصولا” إلى منطقة قريبة من القصر الجمهوري، لا يسعنا إلا أن نضع بين يدي القارىء الكريم الدراسة التالية المدعمة بالوقائع والتواريخ والأرقام .

للدلالة فقط: 23 مليون متر مربع من المساحات الخضراء التهمتها النيران بين عامي 1995 و 1999. والثروة الحرجية في لبنان تقترب من الخط الأحمر والحفاظ على ما تبقى أمر حيوي وضروري.. وفي ظل عدم إقرار خطط شاملة على مستوى الوطن وعدم تطبيق القوانين الخاصة بالغابات في ظل ضغوطات فوقية مستترة، يصبح الهدف صعبا” تحقيقه والمسألة تتعدى المناطق وتأخذ بعدا” وطنيا”.. وأصبح المرض متفشياً: حرائق بطريقة تصاعدية ومما يحز في النفس اننا نقترب من التصحر بتراكم العوامل المؤدية لذلك من الزحف العمراني واجتياح الاحراج وتحت ستار رخص التقليم والتشحيل تنقلب المعادلة ” جنات عامد النظر” و “لبنان يا أخضر حلو” ستصبح أثراً بعد عين.. فكأنه لا يكفي هذا البلد كل الحرائق السياسية فإن الحرائق النارية تجتاحه من اقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

آخر دراسة قامت بها منظمة “ف.أ. و.” بالتعاون مع وزارة الزراعة أثبتت ان الثروة الحرجية تشكل 13% من مساحة لبنان وهناك 10-11% مساحات نباتية وزراعات شجرية وأهم الاخطار التي تهدد هذا الواقع بالتصحر الحرائق والامتداد العمراني والمرامل والكسارات والمقالع والرعي الجائر غير المنظم والقطع العشوائي للأشجار.. الفوضى وعدم تطبيق القانون وعدم المحاسبة تركت مجالا” وعلى طريقة “المال السايب بيعلم الناس الحرام “فإن البعض يتصرف وكأن هذه الثروة ملك له وبطريقة لا تستقرىء الاخطار وأهمية هذا القطاع وعلى كل الأصعدة وانهم أصغر وأجهل من أن يفقهوا ما معنى الطاقة البديلية وتخفيف انبعاث الغازات المسببة للدفيئة وان الشجرة ثروة لا تقدر بثمن بما انها تمتص ثاني اوكسيد الكربون وتبث الأوكسجين.. والوعد الذي قطعه في مؤتمر كوبنهاغن كل من رئيس مجلس الوزراء السابق ووزير البيئة السابق بالتخفيف حتى 12% من انبعاث الغازات حتى عام 2020 ومسألة التشجير والمحافظة على الاحراج والغابات تشكل جزءا” مصيريا” من تخفيف انبعاث الغازات المسببة لارتفاع الحرارة.

والأمر المضحك المبكي ان دورة الحرائق معروفة لدى الجميع تبدأ في أيار/ مايو حتى تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام أي ان عنصر المفاجأة غير موجود على الاطلاق.. ومن ناحية ثانية فإن سقوط الامطار في لبنان تصل إلى تسعماية ميليليتر في السنة مما يسبب نمو غطاء نباتي متمايز.. وعندما يأتي موسم الجفاف من منتصف الربيع حتى تشرين الثاني/ نوفمبر يتحول هذا الغطاء إلى برميل بارود قابل للاحتراق كل لحظة.

تاريخيا” جدودنا كانوا يستعملون هذا اليباس المسبب الأول للحرائق، في صناعة الدبس كوقود واعمال الغسيل المنزلي.. والمواشي التي كانوا يملكونها كانت ترعى هذا اليباس تحت انظارهم مما خفف كثيرا” من خطر الحرائق.

أما في هذه الأيام فإن الزراعة الريفية لم تعد قادرة على منافسة الزراعات المستوردة، مما سبب نزوحا” كبيرا” نحو المدينة وضغطاً على كل المجالات البيئية ابتداء من الحرائق وصولا” إلى تلوث المياه والهواء والتربة.. وانعكس النزوح إلى المدينة على الأرض مساحات شاسعة لا تطأها قدم إنسان ومساحات قابلة للاشتعال في أي لحظة.. حاليا” هناك بعض الاحراج الصنوبرية التي يستثمرها المزارعون بطريقة مكثفة ولكن عند تنظيف الأرض يستعملون النيران مما يسبب حرائق واسعة بين حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام..

وقانون الغابات المادة 101 يمنع استعمال النار والحريق مهما كانت الأسباب ويعاقب القانون بطريقة قاسية تصل إلى حد السجن وتغريم بأسعار خيالية أي كل كيلو غرام حطب مقطع أو محروق 250000 ل. ل والطن 250 مليون ليرة لبنانية والعناصر المولجة بالمعالجة:

1-الدفاع المدني الذي تنقصه الآلات المختصة والأطر البشرية
2-الجيش اللبناني
3-القطاع المدني التطوعي..

ولضيق مساحة الطباعة ولتكملة الموضوع في المقالة القادمة حيث سيطال البحث البنود التالية:
1-أسباب الحرائق عن قصد وعن سابق عمد وإصرار.
2-أسباب الحرائق غير الإرادية.
3-الخطة الوقائية المطلوبة بطريقة نموذجية تتعامل مع الواقع ولا تنتظر المفاجآت.
4-أهمية الطائرات وعدم فعاليتها إذا لم ترفق بالخطة الوقائية حتى نعالج السبب وليس النتيجة.

أخيرا” لو كان لهذه الغابات إمكانية الكلام لسمع الوطن صراخا” وأنينا” وعذابات واستصراخاً للضمير الانساني، فالذي يسمح باستبدال شجرة بالباطون ويترك الماعز تأكل الأخضر واليابس ويغض الطرف عن منشار مجرم يذبح ويبيد وكسارة ومرملة ومقلع ويشارك في حرق أحراج هو بالأكيد عدو علم بلاده الذي يحمل وبطريقة استثنائية رمزاً هو الشجرة.

منذ سنتين وفي محاورة هاتفية تمت مع رئيس الدفاع المدني الاستاذ الصديق درويش حبيقة صرح لي بكل وضوح ان السبب الاساسي للحرائق وبنسبة 95 % وأصرّ على هذه النسبة هو التعديات المباشرة من قبل الانسان عن سابق عمد واصرار، هذا التصريح يختصر كل المسافات عندما نكتشف بأن عنصر المحاسبة مفقود وعلى مدى عدة عقود من الزمن لم نسمع بإنسان تعدى على احد الاحراج ودخل السجن تصبيقا” للقوانين اللبنانية التي تواكب هذه التعديات بتطبيقات تحاسب كواحدة من اقسى قوانين المحافظة على الغابات في العالم.

في الخلاصة المشكلة مثل كل المشاكل البيئية والسياسية والاجتماعية، القوانين موجودة وتطبيقها غير موجود.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة