بريطانيا و«الإخوان».. وفوضى المنطقة

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

في مطلع شهر أبريل ذكر في عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية أن مطلوبين من جماعة الإخوان المسلمين قد نقلوا من قطر إلى بريطانيا التي تحتضن تاريخياً عدداً كبيراً من أعضاء هذه الجماعة وغيرها من القوى الإسلامية. وفي مرحلة معينة تسبب بعض هؤلاء بمشاكل لبريطانيا نفسها، أساءت إلى أمنها واستقرارها وإلى علاقاتها مع عدد من الدول العربية والإسلامية. اليوم، معروف موقف مصر من جماعة «الإخوان» وقد صنفتها إرهابية، وكذالك موقف المملكة العربية السعودية ودول أخرى في الخليج وكلها تربطها علاقات وطيدة ببريطانيا. لكن موقف الأخيرة من أحداث المنطقة ومن تلك الجماعة أدى إلى اهتزاز هذه العلاقات. وجاءت المعلومات الجديدة لتصب الزيت على النار، وبعد أيام قليلة على نشرها، أمر رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون دوائر حكومية واستخباراتية بإعداد تقرير شامل حول عقيدة الجماعة وأهدافها! وقال كاميرون: «المهم أن نفهم كلياً ما هي هذه المنظمة، وما تمثله من روابط، وما تؤمن به من حيث التطرف والتطرف العنيف بالإضافة إلى علاقاتها مع مجموعات أخرى وما وجودها هنا في المملكة المتحدة»! ثم قال ناطق باسمه: «أمر رئيس الوزراء بإجراء تقييم داخلي لفلسفة الإخوان المسلمين وأنشطتهم ولسياسة الحكومة إزاء هذه المنظمة. نريد أن نفهم بشكل أفضل ما يمثله الإخوان المسلمون وكيف ينوون تحقيق أهدافهم وانعكاسات ذلك على بريطانيا». أما الناطق باسم الخارجية البريطانية فقد قال: «الهدف ليس اتخاذ قرار بحظر الجماعة. هو أمر ممكن لكنه غير مرجّح. مثل هذا الخطر سيدفع الإخوان إلى المزيد من التشدّد والتحوّل إلى العمل السري». وأشارت صحيفة «تايمز» إلى أن جهاز الأمن البريطاني سيضع لائحة بأسماء “الإخوان” الذين انتقلوا للإقامة في بريطانيا بعد عزل الرئيس مرسي، بينما يعمل جهاز الأمن الخارجي «MI 6» على التحقيق في تقييم مزاعم أن الجماعة كانت وراء مقتل السياح وسلسلة من الهجمات الأخرى !

بعد أيام أعلنت ناطقة باسم الخارجية البريطانية أن (المواجهة تهدف إلى تطوير فهم عميق عن جماعة «الإخوان» ونفوذها وتأثيرها على أمننا القومي ومصالحنا الوطنية الأخرى في رؤية شرق أوسط مستقر. وستكون المراجعة شاملة تغطي نشأة «الإخوان»، فلسفتهم، نشاطاتهم، سجلهم داخل الحكومة وخارجها، هيكليتهم التنظيمية ونشاطاتهم في المملكة المتحدة، وارتباطهم بالتطرف والإرهاب). الإعلان عن التوجه إلى درس ومناقشة نشأة الإخوان المسلمين ودورهم ونشاطاتهم في الداخل والخارج، هو استخفاف بعقول الناس وإهانة للإنسان العربي وللدول والشعوب في معزل عن السياسة التي تعتمدها جماعة الإخوان والأدوار التي تلعبها. لماذا؟ لأنه ليس ثمة عاقل أيضاً يصدق هذا القول. فهل نحن أمام صحوة بريطانية مستجدة؟ أين كانت أجهزة الأمن البريطانية الخارجية والداخلية طيلة السنوات الماضية منذ نشأة حركة جماعة الإخوان وحتى الآن؟ ونحن نتحدث عن بريطانيا، الدولة ذات الامتدادات الكبيرة في المنطقة، العارفة بجذورها وأسرارها وخفاياها وتكوينها بل المساهمة في تكوين دول والتي انتدبت على دول معينة في مراحل من القرن الماضي، هل يصدق أحد أن بريطانيا التي استضافت وتستضيف عدداً كبيراً من الحركات الإسلامية منذ عقود من الزمن استفاقت اليوم على ضرورة التدقيق في ظروف نشأة هذه المنظمات ودورها؟ إن بريطانيا ساهمت في رسم خريطة المنطقة في بدايات القرن الماضي، وفي تركيب أنظمة وتنصيب رؤساء ودعم فئات، فهل يصدق أحد أنها لا تعرف شيئاً أو بالأحرى لاتعرف حقيقة جماعة «الإخوان»؟

ليس في الموقف البريطاني ما يطمئن إلى حرصها على علاقاتها مع العرب والدول العربية الحليفة لها وإلى وضوح سياستها تجاه ما يجري في منطقتنا، أعود وأقول في معزل عن سياسة هذه الجماعة أو تلك. هل يمكن لمصر والسعودية والبحرين والإمارات مثلاً أن تقتنع بهذا الموقف؟ أعتقد أنها سياسة تؤكد دعم بريطانيا لجماعات إسلامية أو سياسية معينة ولذلك تستضيفها، توفر الأمن لها، تمنحها تراخيص لمحطات إعلامية فضائية يقوم بعضها بدور خطير في تعميق الانقسام المذهبي، وبث الأحقاد، والتسبب بأعمال أمنية معينة من خلال التحريض والبعض يعتبرها أعمالاً إرهابية! ربما اليوم باتت تخشى انعكاس ذلك على أمنها من خلال التخويف والتحذير المستمرين من أدوار محتملة لـ «مجاهدين» في سوريا سيعودون إلى بلادهم، ويقومون بأعمال «إرهابية» تهدد أمنها واستقرارها، وربما تريد التخفيف من وطأة انعكاس هذه السياسة على علاقاتها بدول عربية أساسية، ولهذا السبب أعلنت عن توجهها الأخير، وهذا جيد، لكن لا يمكن «بلع» أنها لا تعرف شيئاً حتى الآن عن جماعة «الإخوان» !

في المقلب الآخر، سياسة مشابهة تعتمدها أميركا في سوريا على سبيل المثال لا الحصر. منذ بداية الأحداث وأميركا تتحدث عن فقدان الأسد شرعيته وضرورة تغييره، ودعم المعارضة في أهدافها، وتنكفئ عن تقديم اللازم لها. ثمة دول يتحدث مسؤولوها بعد سنوات ثلاث أنه لا يمكن الدخول في الحل السياسي إلا بعد تعديل موازين القوى على الأرض. كيف يتم ذلك ولا يقدم السلاح النوعي للمعارضة؟ ولماذا لا يقدم هذا السلاح؟ الجواب منذ البداية: «لا نريد أن يقع في يد المتطرفين»! طيب في البداية لم يكن ثمة متطرفون، فلماذا لم تقدموا السلاح؟ لا جواب، ثم اليوم تعترفون بأنكم تدربون سوريين في الأردن فلماذا لا تقدمون لهم السلاح النوعي؟ الجواب الأخير والمتكرر منذ أيام: نريد أن نعرف هوية المعارضة، من هي؟ من يقف وراءها؟ ما هي أهدافها؟ وأين الذين تدربونهم؟ ألا تعرف أميركا حتى الآن من أين جاؤوا؟ من دعمهم؟ من عزز دورهم؟ من مرّر السلاح لهم؟ أليس بين الجهات الداعمة من هو على التصاق بالسياسات الأميركية؟ ألا تعرف أميركا وأجهزتها ومخابراتها شيئاً عنها حتى الآن؟ بما فيها تلك الجماعات التي يتم تدريبها في الأردن؟ وقد نشرت صحيفة « وورد تريبيون» أن الإدارة الأميركية طلبت من إسرائيل مساعدة المسلحين في منطقة الجولان، وهم الذين يتدربون في الأردن بإشراف أميركي! غريب أميركا تطلب من إسرائيل دعم «المعارضة» التي تدربها هي. تدّخل إسرائيل يؤذي المعارضة، ويخدم النظام، ويُعطي إسرائيل دوراً مباشراً في الحرب السورية مع الإشارة إلى أن عدداً من الجرحى السوريين نقلوا إلى إسرائيل التي أبدى مسؤولوها كل «إنسانية وعطف مشبوهين وزار نتنياهو بعضهم فهو “الحريص” على أمن وسلامة المواطنين السوريين! إنها اللعبة الجهنمية الخبيثة التي تديرها أميركا وتستفيد منها إسرائيل بالتأكيد! إنها إهانة أخرى للعقل وللإنسانية وللسوريين ولدماء الشهداء وتضحيات الشعب السوري واستخفاف بالعلاقات مع دول صديقة تقف إلى جانب المعارضة وتريد التغيير في سوريا. إنها سياسة تهدف إلى استمرار الحرب وتدمير سوريا، وتحويلها إلى ركام وتعميم الفوضى في كل مكان.

هذا هو العراق مدمّر، مفكّك، وهذه هي اليمن متفجرة وعلى طريق التفكك، وهذه مصر مطوّقة سياسياً ومائياً تدير أميركا ظهرها لها تحت عناوين مختلفة، وهذه هي سوريا تعيش أبشع وأخطر حرب.

تلك هي النتائج الطبيعية لسياسات دول مثل أميركا وبريطانيا وغيرها. هل يعني ذلك أن قادة أنظمة الاستبداد يواجهون مؤامرة فيبرّرون كل ما جرى ويجري في بلادهم؟ بالتأكيد لا. لقد قبل بعضهم استخدامه من قبل تلك الدول، وسهّل البعض الآخر لها ما تريد واكتفى بالشعارات والمزايدات، والتزم بالممارسات التي لا تؤدي إلا إلى مثل النتائج التي وصلنا إليها. إنها الفوضى المفتوحة المدمرة التي تتجاوز بمخاطرها الحروب التقليدية التي لها قواعدها وأنظمتها وحساباتها واقتصادها.