انطلاق الانتخابات الرئاسية وتأمين النصاب الناخب الاقوى

حقق المجلس النيابي ورئيسه نجاحا إعلاميا بإطلاقه للاستحقاق الرئاسي وفق دينامية سريعة، بعد أن حقق حضور الجولة الاولى من جولات التصويت رقما مميزاً 124 نائباً، قد لا يتكرر قبل الجولة الاخيرة التي سينتخب فيها الرئيس العتيد والتي لا تبدو معلومة بتوقيتها، سيما وان الجلسة الاولى قد خلصت إلى عدد من المؤشرات التي تساوي في نتائجها بين إحتمالات الانعطاف نحو الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وبين إمكانية انتخاب رئيس جديد توافقي بضغط من الخارج.

لقد خرجت الجلسة الاولى بنتائج وخلاصات معقد ستفرض انعكاساتها السلبية على الجلسات اللاحقة للاستحقاق الرئاسي ومنها:

1- شكل تطيير النصاب بعد الانتهاء من التصويت في الجلسة الاولى وقبل إعلان النتائج مؤشراً واضحاً على أن تأمين نصاب الجلسات القادمة (86 نائباً) ليس بالأمر السهل قبل الاتفاق على اسم الرئيس العتيد. ما يعني استبعاد إمكانية عقد جلسة انتخابية يوم الاربعاء المقبل، وربما غيرها من الجلسات، وهو امر يضع الاستحقاق امام لحظته الحرجة التي تحسب لها كثيرون بعدما بادر فريق 8 آذار امس الى سلاح تعطيل النصاب في الدورة الثانية فاتحا المبارزة على قاعدة التعطيل بدل المقارعة بالمرشح المنافس لمرشحي خصومه

2- بينت نتائج التصويت أن أي من القوى السياسية الثلاث (8 آذار و14 آذار وفريق الوسط) لا يمكنه ايصال رئيس بتصويت نصف +1 دون حصوله على تأييد فريق آخر كما لا يمكن لآي فريق تأمين نصاب الحضور دون تفكيك التكتلات القائمة أو اختراقها، على الرغم من التباين الذي وقعت فيه الكتل النيابية التابعة لقوى 14 آذار والتي لم تبدو متراصة كما هو حال الكتل النيابية المكونة لفريق 8 آذار.

3- بدا واضحاً ان الصراع على الرئاسة بدأ بعد الجلسة الأولى وليس قبلها، وهذا ما برز من خلال الظهور الاعلامي المباشر للعماد عون بعد الجلسة الاولى، وإعلانه تطيير النصاب، وإعلان نفسه مرشح توافقي.

حيث ابرزت قوى 8 آذار قدرتها على تعطيل أي امكان لانتخاب رئيس جديد قبل حسم العماد ميشال عون موقفه من ترشحه، باعتبار ان أي مرشح آخر من هذا الفريق لن يقبل على الترشح في انتظار هذا الامر. غير ان قوى 8 آذار وضعت نفسها في موقع التعطيل المبكر للانتخابات والمغامرة بالفراغ على قاعدة “مرشحنا أو لا أحد”، من خلال اقتراعها بالورقة البيضاء، أو بالتصويت لأسماء ترتبط بملفات الحرب الاهلية.

4- بدا واضحا ايضاً ان الحملة التجييشية التي اطلقتها القوات اللبنانية، بما فيها الحرص على تحالف 14 آذار والذي تمثل بتصويت كتلتي الكتائب والمستقبل لجعجع قد لا يكون بعد ذلك على ما هو عليه، وهذا ما أشارت اليه أوساط الكتلتين.

5- كسبت كتلة اللقاء الديمقراطي مكانتها الوسطية ونجحت في استقطاب اصوات إضافية الى مرشحها، الذي يمتاز بالاعتدال والحوار، وقد تكون له حظوظ جدية في المرحلة الاخيرة من المنافسة ما لم تحصل تسوية شاملة بين القوى كافة، وهذا ما ستتمحور حوله المناقشات الداخلية.

6- أفضت حصيلة التصويت الى وقائع سياسية وانتخابية كان في مقدمها ان قوى 14 آذار وكذلك جبهة الوسطيين جمعت 64 صوتا في مقابل 52 ورقة بيضاء مما يعني ان ارادة انجاز الاستحقاق تفوقت من الناحية المبدئية لدى الفريقين المقترعين لمرشحين على ارادة التعطيل بالورقة البيضاء او بالورقة الملغاة، مع أحقية اعتماد هذا الاتجاه في الاقتراع خارج نطاق الانتخابات الرئاسية في لبنان والتي تحمل خصوصية محددة.

7- يمكن القول أن الجلسة الاولى كانت جلسة ديمقراطية بامتياز من دون تدخل أجنبي، خاصة وان لبنان لم يشهد مثل هذه الجلسات منذ اتفاق الطائف، حيث كانت انتخابات الرئاسة تطبخ في صالون المخابرات السورية، كما وأن ترشيح الرئيس ميشال سليمان، اعتمد في جامعة الدول العربية وتم الاتفاق عليه ضمن تسوية الدوحة في ايار 2008.

أمام هذه المؤشرات تبدوا عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد، مسألة معقدة سيما وان هذا المنصب برمزيته كان دائما محط تسوية اقليمية قبل التوافق الداخلي، بما في ذلك زمن الوصاية السورية، فكيف والحال هذه حيث الانقسام الداخلي وارتباطاته يالمحاور الاقليمية المشتعلة، ما يؤشر الى ان رئيس البلاد الجديد اما ان يكون بالتوافق بين الفريقين او لا يكون.

مصادر دبلوماسية عربية ربطت بين الاستحقاق الداخلي والتقارب الايراني السعودي بمباركة اميركية، والتي انتجت حكومة الرئيس سلام، وابدت عدم خشيتها من دخول موقع الرئاسة في الفراغ، وأشارت الى ان مساع اقليمية بمتابعة فرنسية جدية ناشطة قد تفضي الى الاتفاق على اسم رئيس جديد بتفق عليه الجميع، ورأت ان عدم اعلان العماد عون ترشيحه للرئاسة مرتبط بهذه المشاروات، كما ربطت المصادر بين هذه المشاورات وعودت التقارب بين جبهة النضال الوطني والتكتل الديمقراطي، الذي رشح النائب هنري حلو للرئاسة.

ورأت المصادر ان ترشيح حلو من قبل جنبلاط وكتلته التي عاد اليها بعض صقور (14 آذار لاسيما حمادة المقرب من سعد الحريري)، له دلالة واضحة على امكانية دخول المجلس النيابي في عملية خلط جيد للأوراق قد تفضي في نهاية المطاف الى احتمال انتخاب رئيس جديد ضمن المهل الدستورية.

وأكدت المصادر ان الالتزام بالمهل الدستورية ليس مطلبا دوليا فحسب انما هو محط اهتمام وتوافق ايراني – سعودي يهدف الى حماية امن واستقرار لبنان.