السائق والتشبيح والأخلاق العالية

محمود الاحمدية

“فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم إفعلوا هكذا أنتم أيضاً ” (الانجيل المقدس)

القيادة فن وذوق وأخلاق… ومن خلال مشاهداتي هذا الأسبوع، تبدّى لي الشارع اللبناني عامة والبيروتي خاصة يجسّد المستوى الحضاري المتدنّي بخطورة الذي وصل إليه السائق اللبناني ذكراً كان ام أنثى… والأخطر بما لايقاس سائقو التاكسي… ومرض العصر هو الخليوي وترى أحدهم أمامك وسيارته تذهب يميناً وشمالاً وتترنّح وكأنّها في استعراض سينمائي وفي عرض الطريق وإذا دقّقت في الواقع وداخل السيارة ستكتشف أن هناك بشرياً يسوق وفي يده خليوي ويرسل رسالة عبره وهذا البطر وعدم الإهتمام بالقوانين يشكّلا إحصائياً النسبة المئويّة الساحقة في التسبّب بالحوادث المميتة… وفي الدول المتحضّرة القصاص يكون كبيراً ومرعباً وفي بلد مثل إيطاليا القصاص هو المعاش كاملاً… أما المُلْفتُ الآخر للنّظر هو عندما يصل أحدهم إلى الطريق وأمامه خطّ طويل من السيارات فيحاول صاحبنا أن يضع إستراتيجيّة تتناقض مع أدنى درجات الذوق ويقوم بحركة تثير فيك الشفقة على شعب (يدعس) على القوانين وتراه يدوبل وبسرعة مذهلة عن كل الخط الطويل مقفلاً الاتجاه المعاكس وعند ظهور أي سيارة في هذا الاتجاه يزرك سيارته بطريقة إستفزازية قاهرة وعليك أن تفسح المجال للامبراطوران يأخذ مكانه الذي لم يكن له قبل القيام بالدوبلة… ومن العادات المؤسفة عند كثير من اللبنانيين هي إذا كانوا في عجقة سيارات كبيرة وخانقة ولاحظوا أن هناك سيارة إسعاف تطلق زمّورها نحو عنان السماء وهناك انسان فيها حياته في خطر، فترى السيارات تفسح لها المجال إلا صاحبنا فإنّه وعلى بُعد ميليمترات يدوبل عن الذين أمامه ويلحق بسيارة الاسعاف وبنفس السرعة يشق طريقه وسط الحشد الكبير وينفذ بجلده على غير العادة… وهنا تلعب أنانيّة السائق دورها السلبي والغير عاقل والذي يصل بعض المرات إلى التصادم بكل أنواع الأسلحة الافرادية كالبوكس، اليدين والرجلين مع كل من يريد اعتراض طريقه…

حادثة لن أنساها حصلت لي مع أحد السائقين الفانات في ساحة قبرشمون، كنت أريد شراء صحيفة والمتوفر معي فقط ورقة الخمسين ألف فقالت لي صاحبة المكتبة تجد صرافتها مع أحد سائقي الفانات في الخارج مقابل المكتبة، فرحت مستبشراً وسألت السائق هل عندك صرافة خمسين ألف وكلّ ظنّه أنني سأكون أحد الركاب فقال بأريحيّة كبرى ألف أهلا وسهلا فيك تفضّل أستاذ؟! فقلت له شكرا” عيوني أريد فقط تصريفها! فنظر إلي شذراً وقال بلهجته الإستفزازية: (خيي ما في معي فراطة!) أجبت بتلقائيّة: هلّق قلت لي ألف أهلا وسهلا! فقال لي بربّك ما تمشكلها! وترك مقعده وهو مفتول العضلات وطوله حرزان وهجم يريد الشجار وتدخّل أولاد الحلال وخلّصوني من براثنه مع العلم اني من شارون في جرد عاليه وما منخاف الا من خالقنا! بس مضت على خير يا أخي الأخلاق ثم الأخلاق ثم الأخلاق هي المطلوبة من السائقين سواء كانوا يقودون سياراتهم أو ناطرين نصيبهم من الركّاب!!

أما الدولة! الله يساعد الدولة على هذا الضعف والركوع والخنوع وكلّ الصفات المتشابهة لأعرج يريد أن يقود مجموعة متسابقين في ماراتون للركض!!

وطني متى ستكون مثل كلّ الأوطان! حيث لكلّ منّا حقوق وعلى كلّ منّا واجبات… نِعْمَ الحقوق ونِعْمَ الواجبات .

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة