الانتخابات الرئاسية الجزائرية: مفارقات وعبر
د. ناصر زيدان
23 أبريل 2014
لا يوجد في علم السياسة ما يمكن ان يُبرر اعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيساً لولاية رابعة في الجزائر، بعد 15 عاماً من الحكم، وهو في الحالة الصحية التي ظهر بها على الكرسي المُتحرك اثناء ادلائه بصوته في مركز الاقتراع.
بالمقابل فإن علم السياسة – او القيادة – ليس قواعد ثابتة، او محددات جامدة، ولا يتشابه مع علم الرياضيات، او الحساب، بل تتداخل فيه عوامل الكيمياء اضافة الى المُكملات الامنية والسياسية والمالية والادارية المُتعددة.
منذ انقلاب 1965 الذي اطاح بقائد ثورة المليون شهيد احمد بن بلا، ولِد في الجزائر خيار سياسي يعتمد على رئيس مدني، ومجلس قيادة عسكري وامني. هكذا حصل مع هواري بو مدين في فترة حكمه الطويلة، وتكرر الامر مع زميله في مجلس قيادة الثورة عبد العزيز بوتفليقة منذ العام 1999، رغم محاولات الرؤوساء الانتقاليين تغيير هذه القاعدة، لاسيما منهم محمد بوضياف والشاذلي بن جديد اللذين حكموا لفترةٍ قصيرة.
وبإستمرار كان حزب جبهة التحرير الواجهة الثورية المدنية، نظراً لمصداقيته العروبية حيث نقل الجزائر من عصر “الفرنسة” الى الرحاب العربية، رغم الصعوبات اللغوية والاقتصادية والثقافية الجمَّة.
مجموعة من العِبر يمكن ان يأخذها المراقبون من الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت في 17/4/2014، من حيث الشكل، ومن زوايا المضامين المتعددة:
اولاً: لأول مرَّة في التاريخ يترشح شخص لمنصب رئيس دولة ويكون بوضع صحي مشابه لوضع الرئيس بوتفليقه، فهو لا يستطيع المشي، وحركة يده اليسرى بطيئة الى حدودٍ مُتقدمة، والجلطة الدماغية التي اصابته العام الماضي، ليست من النوع البسيط الذي يمكن ان تختفي آثاره، بل انها قوية ومؤثرة. ذلك ليس من باب الدعاية ضده، بل من حيث الاستعراض الموضوعي للوقائع، علماً ان للرجُل تضحيات لا تُنسى في تاريخ الجزائر، خصوصاً تخليصه للبلاد من براثن الحرب الاهلية في تسعينات القرن الماضي، ولكن هناك العديد من دساتير الدول تشطرت حصول المُرشح على افادة صحية (مصر على سبيل المثال )
ثانياً: ما حصل يؤكد قدرة الفريق المُتماسك على النجاح، بصرف النظر عن وضعية وصحة القائد، ويُذكِّر الامر بفيلم ” الزعيم ” للفنان عادل امام، حيث كان الزعيم ينوي الاستقالة ولكن طبقة المحيطين به، والمُستفيدين من بقائه، منعته من ذلك. والفريق في الحالة الجزائرية يشمل خليط مُتجانس من القوى والشخصيات المدنية والعسكرية، تبدأ بشقيق بوتفليقه ” سعيد ” وتمرُّ بأسماء معروفة في الوسط الاداري والمالي، لتصل الى الشخص الاكثر نفوذا بين كل هؤلاء، وهو الفريق محمد مدين (الملقب بتوفيق) وهو يقود جهاز الاستعلام والامن في الجيش(DRSمنذ 24 سنة).
ثالثاً: اكدت العملية الانتخابية في الجزائر على قدرة الجيش تحريك الشارع، من خلال شعارات قد تكون واقعية في حالة البلاد اليوم، حيث الاستقرار الامني اهم من اي اعتبار آخر، رغم ان المشكلات الاخرى كبيرة، لاسيما الانكماش الاقتصادي والبطالة، وموضوع عدم توافر منازل السكن لفئات الشباب. ونسبة المشاركة المرتفعة (51,7) تؤكد ان الاقبال على صناديق الاقتراع كان معقولاً، وما قاله علي بن فليس “المرشح المنافس لبوتفليقه” عن حصول تزوير يبدو انه ليس صحيحاً، بسبب الفارق الكبير بين ما حصل عليه بوتفليقة (8,13 مليون صوت) وبين ما حصل عليه بن فليس (1,24مليون صوت) فلا يمكن ان يشمل التزوير سبعة ملايين من الاصوات وسط وجود مراقبين.
ومن العِبر التي يمكن التوقف عندها: حالة الخوف التي تعيشها فئات واسعة من الشعوب العربية من الحالة الاسلامية المُتشددة، لاسيما “القاعدة” التي تعتمد الاعمال الارهابية سبيلاً لتحقيق اهدافها.
والقاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، لها مخالبها المُخيفة، وهي لم تستكين من جراء القضاء على ابرز قواعدها في محافظات بجابة والبويرة وتيزي اوزو، وعناصرها هاجمت قافلة للجيش الجزائري بعد انتهاء الانتخابات، واوقعت في صفوفهِ 14 قتيلاً شرقي العاصمة.
امَّا جبهة الانقاذ الاسلامية المحظورة (الاخوان المسلمين) فهي الأُخرى ليست راضية عن الاوضاع، ودعت لمقاطعة الانتخابات، وما زالت تتربَّص بالاوضاع لقلب المعادلة، وهي تعمل على تحريض الفئات الشعبية للإنقلاب على الحكم، وتتعاون مع القوى الامازيغية المعارضة، وتعطي لها الوعود التي تمسُّ بوحدة الجزائر، شرط معارضة هذه القوى للنظام القائم.
تجربة الانتخابات الرئاسية الجزائرية ليست مثالاً يُحتذى، ولكن فيها مجموعة من المفارقات، والعبرةُ دائماً في تغليب مقاربة الاستقرار ووحدة البلاد، قبل اي همٍ آخر.