الإستحقاق السوري أوّلاً

جورج علم (الجمهورية)

يحدّد رئيس مجلس الشعب السوري الانتخابات الرئاسيّة في 3 حزيران، وتُقاس الفترة الفاصلة بين موعد انتهاء المهلة الدستورية للاستحقاق اللبناني، وموعد بداية الاستحقاق السوري بأسبوع، وقد يجرّ وراءَه أسابيع إذا صدقَ أنّ مجموعة الـ 5+1 تريد حسم الاستحقاق السوري أوّلاً، ليُصار إلى حسم الاستحقاق اللبناني في ضوء النتائج التي تكون قد فرَضت نفسها على أرض الواقع.

والحديث عن النتائج يطول، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اعتبر أنّ ترشّح الرئيس بشّار الأسد لولاية جديدة سيقوّض التسوية، ويزيد من حجم المأساة. وشاطرَه الرأي الموفد العربي الأممي الأخضر الإبراهيمي، وعزَفت الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي على الوتر عينه أيضاً، إنّما الأقوال لا تغيّر شيئاً، فهل من أفعال؟

الجواب عند مجموعة الـ 5 +1 لأنّها قادرة – إنْ شاءت – على استصدار قرار عن مجلس الأمن، أو اللجوء إلى أيّ تدبير آخر، لكنّها مختلفة حول طريقة مقاربة ملف أوكرانيا، وملف سوريا، والملفات المتفرّعة في الشرق الأوسط، ومتّفقة حول أمر واحد، المضيّ بالمفاوضات مع طهران حتى بلوغ الإتفاق النهائي حول البرنامج النووي.

تفاوض إيران من موقع القوّة، وهذه تستمدّها من خلال دورها المؤثّر على مجريات الأمور في العراق وسوريا ولبنان. تريد أن يعود نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة العراقيّة أقوى من السابق، وتريد استمرار الأسد في السلطة لضمان استمرار دورها في الموقع والنفوذ، وتريد من لبنان الرئيسَ المتناغم مع المقاومة وحزب الله. وعندما تملك كلّ هذه الأوراق، وتتحكّم بها، تستطيع أن تمليَ الاتّفاق مع مجموعة الـ5+1 وفق دفتر شروطها، وهذه حسابات تخضع حاليّاً للتدقيق الأميركي – الأوروبي.

هل سيدفع موعد الاستحقاق السوري إلى التصعيد؟

كانت الوعود سخيّة في الآونة الأخيرة، أسلحة متطوّرة للمعارضة، صواريخ «لاو» ضدّ الدروع، وكلام عن صواريخ أرض جو، حتى إنّ وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل فتحَ المعركة ضدّ الأسد قبل أن يعلن الأخير ترشّحه، لكنّ الجولات الميدانيّة كانت مخيّبة ولم ترسمِل رصيد المعارضة بجديد يُبنى عليه، حتى إنّ الكرملين ذكّر مَن يعنيهم الأمر بأنّ السلاح في سوريا هو روسيّ، ومواجهته بأسلحة متطوّرة يقدّمها الحلف الأطلسي «سيحملنا إلى ردّ الصاع صاعين؟!».

لم يُحدث الاستحقاق الرئاسي اللبناني مثل هذه الضجة التي أحدثها الكلام عن موعد الإستحقاق السوري. العصب الدولي ما زال مشدوداً في اتّجاه دمشق، هناك تتراكم حسابات الربح والخسارة، وفي إمكان لبنان أن ينتظر، والكلام الذي يردَّد في الكواليس الديبلوماسيّة فحواه مُريب، إنّ المرحلة الراهنة في نظرِهم هي مرحلة تصدُّع الكُتل السياسية، خصوصاً في 8 و14 آذار وصولاً إلى الاستحقاق، ومرحلة فرز جديد للقوى، وخوض امتحان، ولو شكليّ، حول القدرة على لبنَنة الإستحقاق، وجلسة اليوم تدعم هذا التوجّه.

والجديد وسط هذا الصخب الإعلامي بروز عرّابين جدّيين، رئيس مجلس النواب نبيه بريّ ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، مُلمَّين بمسار الريح على المستوى المحلي والخارجي، الإقليمي والدولي، وخبيرَين بتخريج الحلول، وفكفكةِ أحاجي العُقَد. دارة جنبلاط في كليمنصو عامرة هذه الأيام، يحجّ إليها كثيرون، وسيحجّ أكثر في المقبل من الأيام، لكنّ حجر الرحى لا يزال مُلك الرئيس سعد الحريري.

الجميع مُتيقّن من أنّ الانتخابات الرئاسيّة لن تجري اليوم ولا غداً، ومن الآن وإلى أن يدخل الاستحقاق الدائرة الحمراء ستبيَضّ وجوه وتسودّ أخرى، وتتغيّر تحالفات، وتتهاوى أخرى، فالاستحقاق السوري لن يكون على البارد، وإذا كانت الحسابات الدوليّة المتداولة تؤكّد أن لا رئيس في لبنان قبل حسم الاستحقاق في سوريا. فعلى اللبنانيين انتظار النتائج والتداعيات ليُبنى على الشيء مقتضاه؟!