إيران تسعى لتفكيك عقوبات الأمم المتحدة

  في 9 نيسان/أبريل، انتهت إيران ومجموعة «دول الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا) من آخر جولة من المحادثات التي دامت يومين بشأن التوصل إلى اتفاق نووي والترتيب لإجراء الجولة التالية في 13 أيار/مايو. وفي 7 نيسان/أبريل، أفادت وسائل الاعلام الإيرانية عن تعيين الدكتور جمشيد ممتاز رئيساً لـ “المجموعة الاستشارية القانونية” لفريق التفاوض الإيراني. وقد مثّل ممتاز – خبير في شؤون العقوبات ونزع السلاح وإجراءات الأمم المتحدة، وكان قد تلقى تعليمه في فرنسا – الحكومة الإيرانية في بعض من أكبر الإجراءات القانونية الدولية، ومنها الدعاوى ضد حكومة الولايات المتحدة في “محكمة العدل الدولية” في لاهاي. ويشير إلمام ممتاز بدروب الأمم المتحدة، وممارسته الواسعة في أوروبا، وتاريخه الحافل باستغلال خلافات قانونية معقدة للدفع بالمصالح الإيرانية الدولية، إلى أن طهران تبحث على الأرجح في هذه الجولات الأخيرة من محادثات «دول الخمسة زائد واحد»، عن طرق غير تقليدية لـ “معالجة” و”تحقيق نتيجة مرضية” لقرارات مجلس الأمن الدولي ضدها – والتي دعت إليها “خطة العمل المشتركة” المتفق عليها في جنيف في تشرين الثاني/نوفمبرالماضي.

دخول ممتاز

على الورق، يبدو ممتاز في ثوب المهني الكامل. فقد ألف وكتب ما يزيد عن ثلاثين كتاباً ومقالاً أكاديمياً، كما عمل كل من والده وجده في السلك الدبلوماسي الإيراني قبل عام 1979، وكان قد نشأ في تركيا ومصر، وتلقى تعليمه في باريس. وفي عام 2005، عُين ممتاز رئيساً لـ “لجنة القانون الدولي” التابعة للأمم المتحدة – وهي هيئة منتخبة تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وكان قد خدم فيها منذ عام 2000 – وكُلف بتداول وتقنين قضايا معقدة في القانون الدولي. ومؤخراً، عمل أستاذاً في جامعة طهران، كما أنه مستشار لدى وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية لفترة دامت ثلاثين عاماً. وقد رفع ممتاز الدعاوى الإيرانية في “محكمة العدل الدولية” بشأن النزاع الإقليمي حول جزيرة أبو موسى؛ وكذلك الإسقاط العرَضي لرحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655 عام 1988؛ وتعويضات تتعلق بالحرب العراقية الإيرانية، بما في ذلك استخدام الولايات المتحدة للقوة ضد منصات النفط الإيرانية.

وربما الأمر الأكثر أهمية، أن ممتاز شغل منصب مستشار قانوني لوزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف في تسعينيات القرن الماضي، عندما قدم هذا الأخير بياناً شفوياً بشأن الرأي القانوني للحكومة الإيرانية حول “مشروعية التهديد أو استخدام الأسلحة النووية”، وهي قضية تنظرها “محكمة العدل الدولية” بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وتعتبر مقالات ممتاز والإجراءات التي اتخذها حول هذه المسألة، كما هو الحال مع غيرها من المسائل، جافة نوعاً ما لما شملته من تقيد عقيم بنص القانون الدولي. ولكنه بدا أكثر انفتاحاً في خطاب له أمام الخبراء القانونيين الإيرانيين عام 1998. فقد أكد ممتاز على “مبدأ التناسبية” في القانون الدولي، عاكساً ذلك على حكم “محكمة العدل الدولية” بشأن الأسلحة النووية، بقوله: “في بعض الحالات، عندما يهاجم عدو بلد أو حكومة أخرى، أو عندما تغزو حكومة بلد آخر، فقد يجوز استخدام الأسلحة النووية لأن الهدف من استخدام الأسلحة النووية هو إبعاد الغزاة، والهدف العسكري يشكل أهمية قصوى”. ورغم اكتساء بيان ممتاز بثوب العقلانية القانونية إلا أنه اعتبر استخدام الأسلحة النووية ليس محظوراً دون قيد أو شرط بموجب القانون الدولي – وهو موقف يخالف شهادة ظريف العلنية وخط الحكومة الإيرانية. وقد وضع ممتاز المزيد من التسويغ القانوني في خطابه بذكره أن “الدفع بحجة المعاناة” – المستخدمة في القانون الدولي لحظر الأسلحة التي تسبب ضرراً للمدنيين أو الجنود – لا ينطبق في الحقيقة في حالات الحرب. وادعى أنه “يجب أن نأخذ في الحسبان النتائج العسكرية للأسلحة النووية”. وباختصار، أقر ممتاز بإمكانية استخدام الأسلحة النووية بشكل قانوني لأغراض تكتيكية، إذا تم توجيهها لأهداف عسكرية وليس مدنية. وقد رفض ظريف نفسه هذه الحجة – التي تتمسك بها في الأساس الدول التي تمتلك أسلحة نووية من بينها الولايات المتحدة – في شهادة تنصل فيها من الأسلحة النووية “بغض النظر عن النوع والحجم”.

وفي الخطاب نفسه، تجاوز ممتاز هذه التعبيرات القانونية ملمّحاً بأنه عند الحديث عن عملية اتخاذ القرار الإيرانية فإن مصالح الجمهورية تعلو فوق القانون الدولي. ووصف مصادقة إيران على “اتفاقية الأسلحة الكيميائية” وقرار العمل ضمن “نظام الأمم المتحدة” باعتباره خياراً ما بين “السيئ والأسوأ”، وأن الدافع الرئيسي وراء ذلك هو التكلفة الباهظة التي كانت ستدفعها إيران إذا ما بقيت خارج هذه المعاهدة. وزعم، “في رأيي لو أننا لم ننضم لمعاهدة الأسلحة الكيمائية لكنا قد اضطُررنا إلى تحمل ردود فعل شديدة من المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي”. وأضاف، “كان يمكن أن يكون أفضل بالنسبة لنا قبول أنظمة الرقابة والسيطرة على هذه الاتفاقيات، لأنه كان نظام مؤسسي بصورة أكثر، وفي النهاية، سيوفر المزيد من الضمانات بالنسبة لنا”.  وتوحي هذه الفقرة بشيوع سياسات القوة العملية في الجمهورية الإسلامية، وليس المعارضة الأخلاقية والقانونية لأسلحة الدمار الشامل، حتى لدى أشخاص غير عاديين مثل ممتاز الذين قضوا حياتهم المهنية لإعلاء سيادة القانون الدولي.

المفاوضون الإيرانيون: قرارات مجلس الأمن الدولي “غير قانونية”

تعود مسارات الجولة الحالية لمفاوضات مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» إلى أيلول/سبتمبر 2005 عندما صوت مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” – بأغلبية سبعة وعشرين من بين خمسة وثلاثين بلداً – على إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي، استناداً إلى المادة 12، الفقرة الفرعية C، من النظام الأساسي للوكالة بشأن عدم الامتثال. وفي وقت سابق من ذلك العام، حذر المفاوض النووي حسن روحاني بأن إيران سوف تعترض على مثل هذا الإجراء وستعتبره أيضاً منافياً للقانون الدولي. وقد نصح روحاني في آذار/مارس 2005 “فيما يتعلق بالقانون الدولي، ليس هناك طريقة يُحال بها ملف إيران النووي إلى الأمم المتحدة”.وأضاف، “إذا كانوا يريدون إرسال الملف إلى مجلس الأمن، فإنهم سوف يفعلون شيئاً غير قانوني تماماً وسياسي بحت وغير عقلاني”.

ووفقاً لتفسير الخبراء القانونيين الإيرانيين، فإن النظام الأساسي لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” يسمح بالإحالة إلى الأمم المتحدة فقط في حالات الانحراف النووي الصريح أو عند اتهام أحد الموقعين على “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية” بـ “الخطأ أو الإهمال”. وقال الإيرانيون في دفاعهم بأن المسائل القائمة منذ فترة طويلة والمرتبطة بتلوث المعدات النووية بيورانيوم عالي التخصيب، وكذلك شبكات المشتريات السرية لأجهزة الطرد المركزية P1 وP2 كانت قد عالجتها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشكل مرض – بما يجعل الإحالة لمجلس الأمن غير شرعية بموجب القانون الدولي.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وعقب تطبيق “خطة العمل المشتركة”، كرر ظريف آراء روحاني السابقة ووصف عقوبات مجلس الأمن بأنها “غير قانونية وغير معقولة وقاسية”. وأشار كذلك بأنه “قلنا دائماً إن إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن كان غير قانوني”. وسعياً منه لاتهام الولايات المتحدة ضمنياً ذكر أن فكرة الإحالة كانت “خطوة سياسية متخفية تحت قناع قانوني”.

وعلى افتراض اقتناع ممتاز والفريق الاستشاري القانوني المُعين حديثاً بهذه الادعاءات المستمرة بشأن عدم شرعية قرارات مجلس الأمن، فسوف تثار أسئلة تلقائياً بشأن نهج الفريق في تلبية متطلبات “خطة العمل المشتركة” من إيران والتي “[تتناول] أموراً من بينها قرارات مجلس الأمن الدولي التي تهدف إلى إيجاد نهاية مرضية لرؤية مجلس الأمن لهذه المسألة”.

التحديات لواضعي السياسات الأمريكية

بالنظر إلى هذا السياق، فإن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» تواجه اثنين من التحديات الكبرى وهي تسعى لضمان امتثال إيران لمطالب مجلس الأمن الدولي.

 الأول منهما ما إذا كان الإيرانيون – وهم يحاولون “إعادة” ملفهم النووي من جدول أعمال مجلس الأمن الدولي مرة أخرى إلى اختصاص “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” – سوف يستندون في سعيهم هذا إلى عدم مشروعية قرارات مجلس الأمن. فمثلما صرح أحد الأكاديميين الإيرانيين الذي أسهب في الكتابة عن المفاوضات النووية، بأن السعي للتعامل مع مخاوف الغرب من شأنه “أن يكون مساوياً من الناحية العملية للاعتراف بهذه القرارات باعتبارها ظاهرة دولية” و”لن يختلف الدخول في مسألة القرارات كثيراً عن الاعتراف بشرعيتها”. وإذا كان الإيرانيون يسعون بالفعل للوصول إلى تسوية على أسس يعدونها غير شرعية، فإن إحساسهم بـ “الاحترام” و “الكرامة” قد يُنتهك في هذه العملية. ويوحي تاريخ ممتاز الذي يتسم بالدعم الراسخ للمواقف القانونية الإيرانية بأنه سوف يصر على ألا يدعم أي اتفاق نهائي سلطة مجلس الأمن في اتخاذ مواقف سبق واعترضت عليها إيران. إن هذه التحديات المتعلقة بالاعتراف بقرارات مجلس الأمن التي صدرت ضد إيران، تفاقمها بيانات من قبل برلمانيين إيرانيين بارزين، من بينهم رئيس “لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية” في مجلس الشورى الإسلامي علاء الدين بروجردي، التي تؤكد على أن حل هذه القرارات هو شرط مسبق لمصادقة البرلمان الإيراني على “البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وقال بروجردي “طالما يكون الملف النووي الإيراني على جدول أعمال مجلس الأمن، فإن مناقشة تنفيذ البروتوكول الإضافي غير ممكنة”.

الثانية هي المسألة المستمرة المتمثلة في تناول بنود غير نووية من عقوبات مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تشمل تكنولوجيا الصواريخ وحقوق الإنسان. فقرار مجلس الأمن رقم 1929، على سبيل المثال، الذي صودق عليه عام 2010، يفرض قيوداً على تطوير إيران لأنظمة الصواريخ الباليستية. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين يبدون متمسكين بمسار متشدد بشأن إدراج البنود المذكورة في إجراءات مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»، إلا أن المفاوض النووي الإيراني عباس عراقتشي كان واضحاً: “تكليفنا كفريق تفاوض يختص فقط بالقضية النووية”.

 إن النظرة المتفائلة بشأن تعيين ممتاز في فريق التفاوض هي أن الإيرانيين يحشدون خبراتهم للتوصل إلى اتفاق نووي نهائي متوقع. أما النظرة المتشائمة فهي أن إيران يمكن أن تكون بصدد تعزيز موقف متشدد لها يركز على الالتزام بنصوص القانون والحجج القانونية الدولية. والحقيقة فيما يبدو كامنة بين النظرتين.

——————————

(*) معهد واشنطن