الاستحقاق الرئاسي بتوافق داخلي ومباركة اقليمية ودولية

 تبين مجريات الاحداث المتلاحقة منذ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام ان قرارا بإبقاء لبنان عن تداعيات الاحداث السورية قد اتخذ في دوائر الدبلوماسية الاقليمية والدولية تتضح معالمه تدريجا، يبرز حرصا على حلحلة الملفات الداخلية السياسية والاقتصادية والامنية العالقة منذ سنوات. وان هذا الاتفاق يضمن ديمومة المؤسسات الدستورية بما فيها انتخابات رئاسة الجمهورية فليس صدفة ولا بسحر ساحر يتمكن المجلس النيابي ومعه الحكومة من اقرار ما يتم اقراره من قوانين كانت نائمة في الادراج أو اصدار التعيينات الادارية والامنية لولا وجود هذه الرعاية الدولية بالادوات الداخلية والتي تعمل على تعبيد الطريق امام الاستحقاق الرئاسي ووصول رئيس جديد للجمهورية ينطلق وعهده طبيعيا من غير ان يواجه الملفات المتراكمة التي امكن ايجاد حل لها، وفي مقدمها الجبهات المشتعلة شمالا وعودة القوى الامنية الى البقاع لضبط تفلته الى سلاسل الرتب والرواتب.

مصادر دبلوماسية عربية مراقبة كشفت للأنباء عن “التقاء ارادات اميركية – سعودية – ايرانية على تسهيل الامور في لبنان ومن بينها اتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده، بتوافق داخلي يدير اﻷزمة ويبقي خطوط التواصل بين جميع الاطراف الداخلية قائمة لا سيما تلك المرتبطة باجندات اقليمية، ما يجعل لبنان نقطة تلاقي اقليمية يؤسس عليها تسوية شاملة بموازين قوى تفرضها مسارات الاحداث المشتعلة في سوريا.”

وترى المصادر ان “الاستحقاق الرئاسي المنتظر في لبنان وشخصية الرئيس العتيد قد تشكل مدخلا لهذه التسوية السعودية – الايرانية، بإرادة وتوافق داخلي ما يعطي الكتل النيابية دورا مهما في اختيار الرئيس وفق مواصفات ترضي كافة الاطراف بعيدا عن الاصطفافات والشعارات التي يرفعها البعض، سيما وان ربط النزاع القائم بين الطرفين الاقليميين (السعودية – ايران) ميز الملفات بما فيها الداخلية بين ما هو محض داخلي (سياسي، أمني، اقتصادي، اجتماعي) وبين ما هو اقليمي استراتيجي (سلاح حزب الله ودوره في سوريا).”

وتستند المصادر في قراءتها تلك على زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الى المملكة التي اكدت حرص الجانبين على تيسير الاوضاع في لبنان والعمل على ابقائه بعيدا من النار السورية، وعلى الجولات الثلاث من المحادثات السعودية الايرانية التي عقدت احداها في دولة خليجية والأخريين في احدى الدول الافريقية اتسمت بالايجابية وخلصت الى توافق على دفع لبنان وملفاته في اتجاه الحل واعادة تركيز بنيانه المؤسساتي والاداري.

وتؤكد في هذا السياق وانطلاقا من الارادات الثلاث اتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده والحرص على تجنب الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، مشيرة هنا وارتكازا الى التفاهم المذكور الى عدم تبني فريقي الثامن والرابع عشر من اذار حتى الآن اي مرشح او اسم مرشح على رغم مبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى اعلان ترشحه ومحاولة لحشر فريقه السياسي.

ولا تستبعد المصادر هنا خصوصا اذا ما بقيت الرعاية العربية والدولية مظللة للافق اللبناني ان يشهد لبنان رئيسا جديدا للجمهورية خلال فترة وجيزة جدا لا تتعدى الاسبوعين وتحديدا قبل النصف الثاني من ايار المقبل سيما وان رئيس المجلس النيابي التزم تنفيذ الوعد الذي قطعه للبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من خلال توجيه الدعوة الى جلسة انتخاب الرئيس في 23 الجاري.
وفي الاطار نفسه تأتي رغبة المملكة العربية السعودية في الانفتاح على ايران ودعم التيار المعتدل الذي يقوده الرئيس حسن روحاني بناء على نصيحة الرئيس باراك اوباما بالذات من جهة وفي العودة العاجلة لسفيرها علي عواض عسيري الى بيروت لمواكبة المستجدات خصوصا المتعلقة بالملف الرئاسي وغيره.

وتغمز المصادر هنا من قناة اللقاءات المتسارعة بين كتلتي “لبنان اولا” و”الاصلاح والتغيير” وبين الكتل النيابية الاخرى، وترى ان التفاهم بينهما من شأنه مع بعض المستقلين ان يوفر النصاب المطلوب للاستحقاق الرئاسي على الاقل في دورته الثانية، علما ان ثمة الكثير من النواب وحتى من بين الحزبيين يحرص على عدم معاداة رئيس الجمهورية في اول عهده وتاليا قد يتوقع حضور البعض تلبية دعوة الرئيس بري وتأمين النصاب القانوني لجلسات الانتخاب.

وضمن هذا السياق تضع المصادر قول البطريرك الراعي في عظة الفصح “ان انظار العالم موجهة الى المجلس النيابي وتأمل ان يلتزم السادة النواب بواجب الحضور والتشاور والاقتراع بحكم الوكالة الملزمة المعطاة لهم من الشعب اللبناني وان يختاروا افضل رئيس للبلاد”.
ما يؤكد ضرورة التوافق الداخلي على مواصفات وشخصية الرئيس وعدم ترك الباب مشرعا فقط للتوافق الخارجي.