التدابير المالية الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية

  في 1 نيسان/أبريل، وقّع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على أوراق الانضمام إلى خمس عشرة معاهدة دولية الأمر الذي عرّض المسار الحالي لمحادثات السلام للخطر ودفع الحكومة الإسرائيلية للتصريح بأن الخطوات الفلسطينية أحادية الجانب سوف تقابلها أيضاً خطوات إسرائيلية أحادية الجانب. وخلال الأيام القليلة الماضية، أوفت إسرائيل بوعدها بفرضها العديد من العقوبات الاقتصادية والمالية على السلطة الفلسطينية. بيد، تشير أحدث التجارب السابقة إلى أن استعداد إسرائيل للحفاظ على عقوبات مالية ضد السلطة الفلسطينية هو رغبة محدودة.

الخلفية

كجزء من البنية السياسية الثنائية التي تم التفاوض عليها والتي أقرتها اتفاقيات أوسلو عام 1993، أُسندت إلى السلطة الفلسطينية مهمة الإدارة الذاتية للشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية. ولكنها تبقى معتمدة وبشكل كبير على روابطها المالية والاقتصادية مع إسرائيل، كما هو مُثبت في “بروتوكول باريس بشأن العلاقات الاقتصادية” (1994).

ومن المحتويات الهامة في “بروتوكول باريس” إنشاء اتحاد مشترك للجمارك، تجمع من خلاله إسرائيل المستحقات على البضائع المتوجهة إلى مناطق السلطة الفلسطينية وضرائب القيمة المضافة على المشتريات الفلسطينية الكبرى من إسرائيل والضرائب غير المباشرة على البنزين، وبعد ذلك تسدد هذه العائدات لحكومة السلطة الفلسطينية على أساس شهري. واعتباراً من مطلع هذا العام، بلغت هذه التحويلات الجمركية ما يقرب من 115 مليون دولار شهرياً لتصل بذلك إلى ما يقدر بنسبة 36 – 44 في المائة من الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية البالغة 3.88 مليار دولار (بعد التعديل وفقاً لتقلبات أسعار صرف العملة بين الشيكل الإسرائيلي والدولار الأمريكي). بمعنى آخر، إن هذه التحويلات تمثل أكبر مصدر دخل فردي لخزانة السلطة الفلسطينية حيث تتجاوز حتى المساعدات المباشرة للميزانية من المانحين الأجانب.

إن الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في الأسبوع الأول من نيسان/أبريل الحالي قد جلبت معها أنباء عن إطلاق تهديدات بفرض “عقوبات” من قبل المفاوضة الإسرائيلية وزيرة العدل تسيبي ليفني، تلتها تعهدات من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 6 نيسان/أبريل بأنه “سوف يتم الرد على الإجراءات أحادية الجانب من قبل الفلسطينيين بإجراءات تماثلها من جانبنا”. وفي الواقع وفور قرار السلطة الفلسطينية بالتوقيع على أوراق الانضمام، تواردت الأخبار عن اتخاذ الحكومة الإسرائيلية لمجموعة متنوعة من التدابير الاقتصادية مثل تجميد التصاريح الصادرة لمقدم خدمة الهواتف الفلسطيني “وطنية” لتطوير البنية التحتية في قطاع غزة وكذلك إرجاء العمل التخطيطي الفلسطيني في المنطقة “ج” من الضفة الغربية (منطقة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية ولكنها تحتوي على مراكز سكانية فلسطينية صغيرة، الأمر الذي يستلزم أيضاً قيام تنسيق بين السلطة الفلسطينية وقوات جيش الدفاع الإسرائيلي). كما تم النظر في تدابير اقتصادية أخرى أحادية الجانب مثل تعليق التصاريح الزراعية للمزارعين الفلسطينيين في “مناطق التماس” في الضفة الغربية. ويُقال إن إسرائيل ماضية في تنفيذ بعض التدابير غير الاقتصادية أيضاً، مثل توجيه تعليمات لكبار المسؤولين الوزاريين بالتوقف عن مقابلة نظرائهم الفلسطينيين.

تاريخ التدابير المالية

جاء الإجراء الإسرائيلي الأكثر أهمية في 10 نيسان/أبريل مع الإعلان عن حجب التحويلات الجمركية. وفي الواقع، ظل هذا الإجراء ولمدة طويلة أشهر التدابير المضادة من جانب إسرائيل للتحركات الدبلوماسية الفلسطينية أحادية الجانب خارج إطار أوسلو. كما شهدت فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2004) عمليات إغلاق بالجملة قامت بها إسرائيل تجاه المناطق الخاضعة لحكم السلطة الفلسطينية مع حجب التحويلات الجمركية – في بعض الأحيان لفترات استمرت لمدة عامين – رداً على موجات من الهجمات الإرهابية الفلسطينية. ومع هذا، فمنذ ذلك الحين لم تدم العقوبات المالية الإسرائيلية طويلاً وكانت تأتي كرد فعل على: تطورات دبلوماسية و/ أو سياسية كان يُنظر إليها كعائق لإطار عمل أوسلو وإلى التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض.

·         2007-2006: في أعقاب فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، أوقفت إسرائيل – ومعها المانحون الأمريكيون والأوروبيون – معظم المساعدات المباشرة لميزانية السلطة الفلسطينية، وقد تم اتخاذ تلك الخطوة نتيجة لتصنيف «حماس» كمنظمة إرهابية ورفضها الالتزام بثلاثة شروط دولية للحكم الشرعي، وتشمل هذه تحديداً: إنهاء كفاحها المسلح، والاعتراف بإسرائيل، وقبول الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة (من بينها اتفاقات أوسلو). ولم تُستأنف تحويلات الجمارك الإسرائيلية وأموال المانحين إلا بعد قيام «حماس» بانقلاب في غزة بعد عام واحد وتشكيل حكومة طوارئ في الضفة الغربية برئاسة سلام فياض. ومع ذلك، فعلى الرغم من حكم «حماس» وسياسة الإغلاق الإسرائيلية، إلا أن الدعم المالي لغزة استمر في الأعوام المنصرمة وكان ذلك في الأساس عبر المنظمات الدولية مثل “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” فضلاً عما يقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً من السلطة الفلسطينية.

·         2008: في منتصف عام 2008 أرجأت إسرائيل تحويل عائدات الجمارك احتجاجاً على الجهود الدبلوماسية الفلسطينية الرامية لتأليب الحكومات الأوروبية ضد إسرائيل. وفي ذلك الوقت، كانت إسرائيل تسعى لتوثيق علاقاتها الفنية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن انضمامها إلى “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”. وقد عبّر المسؤولون الإسرائيليون عند إرجاء تلك التحويلات “عن الأسف وخيبة الأمل من رؤية أولئك الفلسطينيين الذين نشاركهم الحوار ونعمل معهم نحو تحقيق هدف مشترك… يبذلون الوقت والجهد لتقويض علاقات إسرائيل الثنائية مع الاتحاد الأوروبي”. وبعد أسابيع قليلة وتحت ضغط دولي أفرجت وزارة المالية الإسرائيلية عن معظم التحويلات الجمركية إلى السلطة الفلسطينية، رغم قيامها أولاً باقتطاع مقدار كبير لتغطية ديون مستحقة من السلطة الفلسطينية إلى “شركة الكهرباء الإسرائيلية”. وسوف يتكرر هذا التهديد باقتطاع الديون المستحقة من السلطة الفلسطينية عن خدمات مثل الكهرباء والماء في السنوات المقبلة – وفي الواقع، كان هذا هو الأساس المنطقي الذي كُشف عنه وراء إرجاء تحويل عائدات الجمارك في الأسبوع الثاني من نيسان/أبريل. واعتباراً من مطلع عام 2014، وصل مقدار ديون السلطة الفلسطينية لإسرائيل إلى 573 مليون دولار، تعود 60 في المائة منها إلى “شركة الكهرباء الإسرائيلية”.

·         نوفمبر/تشرين الثاني 2011: حجبت إسرائيل التحويلات الجمركية لمدة أربعة أسابيع احتجاجاً على الجهود الفلسطينية الرامية للحصول على اعتراف دبلوماسي في الأمم المتحدة. وكانت هناك مسألة فرعية متمثلة في إبداء السلطة الفلسطينية اهتمامها بمحادثات المصالحة مع حركة «حماس». وقد استؤنفت التحويلات في نهاية المطاف بسبب الضغوط الدولية والمخاوف من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشأن الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الضفة الغربية. وفي ذلك الوقت، صدر بيان عن مكتب رئيس الوزراء نتنياهو أُشير فيه إلى أنه تم الإفراج عن الأموال فقط “بعد توقف السلطة الفلسطينية عن اتخاذ خطوات أحادية الجانب”.

  ·       كانون الأول/ديسمبر 2012 – كانون الثاني/يناير 2013: أعلنت إسرائيل عن إيقاف آخر للتحويلات الجمركية بعد نجاح محاولة السلطة الفلسطينية في تشرين الثاني/نوفمبر في الحصول على صفة مُراقب غير عضو في الأمم المتحدة. وفي كانون الثاني/يناير التالي، قامت بعملية تحويل واحدة – وصفها المسؤولون الإسرائيليون بأنها “حدث غير متكرر” – بعد نداء شخصي من مبعوث “اللجنة الرباعية” الدولية حول الشرق الأوسط توني بلير. وتم استئناف التحويلات المنتظمة بعد ذلك بشهرين، عقب زيارة قام بها الرئيس أوباما إلى المنطقة.

التداعيات

سلّطت حلقة 2012-2013 الضوء على التوترات التي تنطوي عليها سياسة إسرائيل في استخدام العقوبات المالية ضد السلطة الفلسطينية، وكذلك على سبب استمرارها عادة لفترة محدودة. في أيلول/سبتمبر 2012، قبل ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في محاولتهم لاقامة دولة فلسطينية، حوّلت إسرائيل فعلاً عائدات الجمارك مقدماً لكي يتسنى للسلطة الفلسطينية التعامل بشكل أفضل مع إحدى موجات الاحتجاجات الشعبية ضد سياساتها الاقتصادية. وقد أتاح ذلك الضخ النقدي، إلى جانب المساعدات الاقتصادية الإسرائيلية الأخرى، الفرصة للسلطة الفلسطينية لاسترضاء الناس وتفادي تحدياً سياسياً أكثر خطورة. ولهذا قوبل الحجب اللاحق لعمليات التحويل بعد ذلك بشهرين بتحذير من مسؤولي الأمن الإسرائيليين، الذين نصحوا الحكومة سراً بأن تعكس القرار الذي اتخذته.

وهناك مخاوف مشابهة بادية اليوم، حيث تهدد إسرائيل بالرد على التحركات الدبلوماسية أحادية الجانب من قبل السلطة الفلسطينية، باتخاذ تدابير اقتصادية إسرائيلية أحادية الجانب من شأنها أن  تؤدي إلى تأجيج المناطق الفلسطينية. ويعتمد الفلسطينيون بصورة كبيرة على الروابط المالية والاقتصادية مع إسرائيل، كما تهتم إسرائيل إلى حد كبير بالحفاظ على استمرارية السلطة الفلسطينية. وفي الأيام الأخيرة، تعهدت بعض الدول العربية الثرية بتقديم مساعدات إضافية لملء فجوة التمويل الفلسطينية، ولكن نادراً ما تجسد العديد من التعهدات السابقة بالحجم والوتيرة المذكورين في التعهدات.

وفي النهاية، لا يرغب القادة الإسرائيليون ولا الفلسطينيون في أن تقوض الأزمة الدبلوماسية الحالية عموم التنسيق الأمني والاقتصادي بين الجانبين. وبينما قد يبدو النهج الدبلوماسي أو المالي أحادي الجانب أداة فعالة للضغط على بعضهما البعض، إلا أن مثل هذه التكتيكات تنطوي على مخاطرة حقيقية تتمثل بحدوث خطأ في الحساب وسط تصاعد التحركات الانتقامية بين الجانبين.

 ————————————————-

(*) نيري زيلبر / معهد واشنطن