بين النفاق والإنفاق

وسام القاضي

ضاع اللبنانيون بلغة الأرقام، بين هيئة التنسيق النقابية من جهة ووزارة المال من جهة أخرى وبينهما اللجان النيابية المشتركة وحاكم مصرف لبنان. والمفارقة تكمن أن الجميع يقر بأحقية مطلب سلسلة الرتب والرواتب، والجميع أيضا يقر بأن أي خطوة من هذا النوع ستدخل البلاد في نفق إقتصادي مظلم قد يترتب عنه إنهيار لليرة اللبنانية.

عجبا ما يحدث، وكأننا نعيش في حكم الإرتجال، فالدراسات العلمية المنهجية غائبة كليا عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، فجميع الكتل النيابية تغرد وفق وضعها الخاص، والإجتهادات ترتجل يمينا ويسارا، حتى إختلط الحابل بالنابل في الجلسة النيابية الأخيرة، فلم يعد هنالك من 8 و14 آذار بل إجتمع المزيج السياسي لإعادة الدراسة المالية لهذا المشروع. وإصطفت الكتلة الشيعية إلى جانب مشروع السلسلة ليس إيمانا بالناحية الإقتصادية لإقرارها، بل من أجل تجنب المواجهة مع قاعدتها العمالية والشعبية.

وهنا لا بد من التساؤل، إذا كان المجلس النيابي يقر بحق المطالب النقابية، ويدرك تماما العجز الذي تقع فيه الدولة جراء هذه الخطوة، فلم لا يبادر إلى وضع الأصبع على الجرح والكشف على الهدر الحاصل في مرافق الدولة بالدرجة الأولى ومن ثم وضع آلية ضرائبية تعدل بين المواطنين، ولا تبعد المستثمرين وتحافظ على الإستقرار الإقتصادي.

والمدخل الطبيعي إلى هذا النفق يبدأ من الجمارك، فلبنان هو بلد الإستيراد والتصدير كما تعلمنا منذ الصغر على المقاعد الدراسية، فهل هنالك جهاز رقابة على عمل الجمارك اللبنانية، وكفانا نفاقا في هذا المجال لأن من يدرك الخفايا الحاصلة في كل من المرفأ والمطار يعلم أن هنالك قنوات خاصة مفتوحة تتيح إدخال بضاعة دون جمركة إلى لبنان، بأساليب مختلفة، ومنها على سبيل المثال، أنها ما زالت تستورد تعويضا عن عدوان 2006 وهذا ما يفسر وجود بضاعة في مناطق معينة أرخص بكثير من مناطق أخرى. هذا إذا لم نتطرق إلى الرشاوى التي تعطى من هنا وهناك لتغيير أوراق البضاعة ودفع رسوم زهيدة، ولديهم غطاء سياسي من أطراف سياسية أساسية في البلاد، وعندما تسأل وزراء مالية سابقين يومئون بالإيجاب دون الجرأة على قول الحقيقة.

وننتقل إلى باب آخر وهو الكهرباء، فكيف لم تتمكن هذه المؤسسة من إلغاء التعديات على الشبكة وتحصيل الجباية بشكل سليم، لأنه طبعا يوجد أطراف سياسية تستثمر قاعدتها الشعبية ولا تريد الضغط على تلك القاعدة ورفع الغطاء عنها لكي لا تخرج من دائرة نفوذها، وهذا ينعكس طبعا على الوضع المالي لمؤسسة كهرباء لبنان.

أما المصارف هذا القطاع الذي يدير بالبلاد من وراء الستار، فهو الممول الرئيسي لكافة القوى السياسية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا يشرح سبب تخفيف الضرائب عن هذا القطاع والذي يحصل أرباحا طائلة دون أي حسيب أو رقيب.

فهل يعقل أن تكون نسبة الضريبة على الفوائد لصغار المودعين كما هي لكبار المودعين، ولما لا تعتمد الضريبة التصاعدية، وأين هي الضريبة على أرباح المصارف، تلك الأرباح التي يوزع قسم كبير منها على كبار القوم من أجل الإلتزام بالصمت.

وفيما خص العقارات وحركة البيع والشراء، هل هي موثقة بالكامل ودون استنسابية وبشفافية، طبعا لا، لأنها مركز للتلاعب والإحتيال للخروج من الطرق الادارية الرسمية للتخفيف من الرسوم، وطبعا ضمن مافيا خاصة تتولى هذا القطاع.

والسؤال الأهم أين التفتيش المركزي، أليس غائبا عن السمع بقرار سياسي؟

إن ما يسمى بالهدر في لبنان هو السرقة الموصوفة بكل ما للكلمة من معنى، والإنفاق الاقتصادي الحاصل هو نتيجة طبيعية للنفاق السياسي الذي يتم التعاطي به في لبنان، من هنا فإن الأزمة مستعصية ولا حلول جذرية لها في القريب المنظور، لأن من له هكذا ذهنية وهكذا تفكير سياسي لا يرتجى منه.

اقرأ أيضاً بقلم وسام القاضي

كتاب مفتوح إلى السيد حسن نصرالله

ويبقى المقدم شريفاً في ذكراه السنوية

المرحلة الجديدة تتطلب تغييراً جذرياً بأسلوب العمل

عندما يرتقي التقدميون الإشتراكيون الى مستوى المرحلة

ما بين التوريث السياسي والوراثة الإقطاعية

زهرة على ضريح المعلم

قوة لبنان في حياده!

تقاطع المصالح والحسابات الخاصة

عودة الثنائيات وشد العصب!

الرقص على حافة الهاوية 

يوم الوفاء

وطن على شفير الهاوية

الجمعية العامة للحزب في ظل ما يحيط بالمنطقة من أجواء ملتهبة

الدور الوطني للحزب التقدمي الإشتراكي

التمثيل الصحيح بالعدل في حقوق المواطنين

النسبية قناع للنفوذ المذهبي المتشدد

تقسيم السلطة أخطر من تقسيم الوطن

أزمة النظام اللبناني بعد رفض المثالثة!

الإستقلال المكبَل بالإرتهان!

ذكرى ثورة فكرية في عصر التخلف والإنحدار