لبنان بعد 39 عاماً على الحرب الأهلية: شعـور عـارم بالخديعـة

في كل شهر من السنة للبنان تاريخ لا ينسى، وشهر نيسان يحمل في ذاكرتهم تاريخ يحاولون إلى اليوم نسيانه وتجاوزه، لكن آثاره لا زالت حافرة في ذاكرة من عاصر هذا التاريخ، تاريخ حرب أهلية أزيلت متاريسها ودشمها وحواجزها من الأرض، لكنها لا زالت تحفر في النفوس وكثر يخشون من عودتها في ظل حالة الشحن الطائفي التي يعيشها المجتمع اللبناني الذي تغيّرت تحالفاته عن أيام الحرب، فبات أعداء الحرب حلفاء، وحلفاء الحرب أعداء، وبقيت ذكرى الحرب الأليمة في ضمير كل من عايشها، أليمة في تفاصيلها الماضية، وأليمة في الخوف من إمكانية عودتها.

39 سنة مرّت على الحرب الأهلية التي دمّرت لبنان، ولا زالت الأوضاع على حالها، فلا المحاسبة تمت، ولا المسامحة حصلت، ولا تنقية الذاكرة انطلقت، ولا عملية البناء جرت.. مثلما يجب أن تكون، فالأمور ما زالت عالقة عند سياسيي الحرب أنفسهم الذين يديرون الشؤون السياسية والإقتصادية والأمنية، ولم يتمكنوا على مدى هذه السنين من إنتاج نظام سياسي متطوّر ومتنوّع، الأمر الذي أدى إلى فقدان الإنتظام العام والقيم السابقة، وتعميم الفوضى الخلاّقة في جميع شؤون الحياة.

فلا ملف المفقودين والمخطوفين الذي عاد إلى واجهة الإهتمام وجد صيغة للحل، ولا الإدارات وجدت من هو جدير بالإدارة، ولا المدارس وجدت من يكتب تاريخ البلاد لتلامذتها، ولا الخزانة وجدت من يبحث عن موارد لها، ولا الأحزاب وجدت طريقاً للتجدد.

إنتهت الحرب الأهلية، وإنتهت معها راحة اللبنانيين الذين يغادرون الوطن الأم باحثين عن وطن بديل في المهاجر يؤمن بأفكارهم وقدراتهم وطن لا تتحكّم فيه طبقة سياسية تختلف وتتوافق على ما تحصل عليه من مكاسب وحصص سياسية بعيدة عن مصالح الشعب وطموحاته التي باتت تقتصر على أمور جدّ بسيطة كالعيش بكرامة وأمن وإستقرار وهي حقوق يفترض ان تكون مكتسبة في الدول الديمقراطية، ولكن في بلدنا بتنا في حاجة للنضال في سبيلها للحصول عليها.

اللبنانيون اليوم يتذكّرون 13 نيسان، ويتذكّرون معها آلامهم ومحنتهم وموتهم وتجربتهم المرّة تحت القصف والدمار، ولذلك فهم سيعمدون إذا صدقوا في كلامهم إلى محاسبة قياداتهم في صناديق اﻻقتراع عند إجراء الإنتخابات النيابية، وقد تكون نسبة المشاركة في الإنتخابات النيابية المقبلة متدنية جداً، وربما الأدنى في تاريخ الانتخابات، مهما كان شكل الدوائر الانتخابية، لأنه بعد مرور 39 عاماً على انتهاء الحرب، فإن الكثير من أبناء جيل الحرب ونحن منهم يرون أن الوضع تغيّر نحو الأسوأ، فالفشل في حل الخلافات السياسية يتفاقم وموارد الخدمات في أدنى مستوياتها، والمواطن “المعتّر” لا زال وحده يدفع الثمن، وما يحصل في قانون الإيجارات الذي أقرّه مجلس النواب خير دليل على أن حال التهجير التي حصلت في العام 1975 ستكرّر اليوم بطريقة قانونية عبر هذا القانون… والآتي أعظم.

———————-

(*) رحاب حمد