الملف الرئاسي والازمة الاقتصادية

فيصل مرعي

ها قد شارف استحقاق كبير ومصيري. استحقاق اصبحنا فيه على ابواب انتخاب رئيس للجمهورية. رئيس من المتوقع ان يكون لبناني الهوى والميول، وان يتمتع بمواصفات فيها ما يليق وما يتماشى، ويواكب المرحلة القادمة، سيما وان الازمة تلو الازمة داخلياً وخارجياً، والصراع الدولي على اشدّه، والوضع الداخلي تتراكم فيه الازمات السياسية والاجتماعية يوماً بعد يوم. والكلّ يغني على ليلاه، دون الالتفات الى معالجة المشكلات الاجتماعية، حيث ان كلاً منصرف الى مصالحه الخاصة، والشعب في حيْرة من أمره، يتخبط في ازماته اليومية، حيث احزمة البؤس تلفه من كل حدب وصوب، مشكِّلة له الموت البطيء. ومع ذلك لا من سامع، ولا من مُجيب من المسؤولين عن البلاد والعباد، لا بل تركوا الحبل على غاربه للمحتكرين، وللرأسمال العالي، ومصاصي الدماء يتحكّمون بكل المرافق العامة، ويتلاعبون بأرواح الناس وارزاقهم، غير عابئين بما يعانيه الشعب من فقر وجوع، تاركينه في عُريه يتضور جوعاً، ويزداد قلقاً على مصيره علماً، ان هذه الطبقة الحاكمة هي التي اوصلت الشعب الى ما وصل اليه من حالة يرثى لها، ومن بئس مصير في المدى القريب. والعجيب الغريب عدم معالجة مشكلة الفساد علاجاً علمياً. مشكلة رافقت العهود، وما زالت تراوح مكانها، ضاربة في العمق هيكلية الدولة، ناخرة في الادارة كما ينخر السوس في العماد، مُسبِّبة كوارث اقتصادية، لا بل انهياراً حالياً نشهده بأم العين يتهاوى يوماً بعد يوم. ناهيك عن المصالح الشخصية التي تعلو فوق كل اعتبار. والاكثر تعجباً، تجاهل المطالب الشعبية التي شارفت على عتبة انفجار اجتماعي، والتي من شأنها ان تحدث خللاً بنيوياً للدولة وكيانيتها، ولو بالحد الادنى. في وقت تلهو فيه الطبقة السياسية بالمماحكات والتجاذبات السياسية الهاءً للشعب عن حقه الطبيعي في العيش الكريم، غير آبهة بلب المشكلة الاساسية، مشكلة تكمن في اعماق اعماق فوضى الاقتصاد الحر. إن ما يدرو حالياً من جدل في المجلس النيابي تمويلاً لسلسلة الرتب والرواتب، والتي هي حق مكتسب لكل القطاعات الوظيفية غير كاف لمعالجة المشكلة الاقتصادية من جذورها في ظل غياب اصلاح سياسي واقتصادي، يقود الى عصرنة وتحديث الادارة، انقاذاً لها من هذا العفن والفساد المستشري في جميع اجهزة الدولة ومرافقها العامة. اما الاكثر تعجباً فهو، ان كل المطالب الاجتماعية لا يتحقق جزء منها الا تحت ضغط الاضرابات، والتظاهرات، والعصيان المدني، وربما احياناً تترافق مع موجات من العنف الذي نشهده مع كل ازمة تاريخياً.

وبالعودة الى الاستحقاق الرئاسي، نرى ان ملف الانتخابات الرئاسية، لا يعالج عبر هذه الغوغائية، وعبر تقاذف الاتهامات، وإنما عبر ضبط الاعلام اولاً، وعبر الحوار الجدّي الذي من شأنه ان يعبر بنا الى تسوية عادلة حول مواصفات الرئيس المقبل، بإجماع وطني، وبتسوية سياسية على طراز ما حدث بشأن رئاسة الحكومة اذا ما صفت النوايا والارادة السياسية معاً، خصوصاً وأن هناك ملفات ليست بسهلة تنتظر الرئيس العتيد، سياسياً، واجتماعياُ، واقتصادياً، وأمنياً.. فسياسياً نأمل بإيجاد قانون انتخابي عادل يحقق التمثيل الصحيح، كما نأمل التمهيد لإلغاء الطائفية السياسية، وان طال بنا الوقت. أما اجتماعياً فنأمل وضع برنامج اقتصادي اجتماعي، يحترم حقوق الانسان، اقامة لمجتمع الكفاية والعدل، تسود فيه الطمأنينة، ويُزال فيه الظلم، والاستغلال، والتفرد بالثروة.

المطلوب، ان تسود المرحلة المقبلة الطمأنينة الاجتماعية عبر هذا البرنامج الآنف الذكر، يأخذ بعين الاعتبار كل الاصلاحات، وفي مقدمها وقف الهدر في جميع المرافق العامة، لا سيما منها في قطاع الكهرباء السيّء الذكر. فالحلول كثيرة في هذا المجال، اضافة الى تحسين الجباية، وضبط النفقات والبيوع العقارية، والاملاك البحرية. وهكذا نكون قد بدأنا فعلاً بعملية الاصلاح الاقتصادي- الاجتماعي. هذه العناوين تحتاج الى دولة قوية، والى مؤسسات فاعلة، والى ضبط الفلتان في الادارات، منعاً لمزيد من الهدر والفساد. لقد ارهقوا الشعب بالصرف والانفاق العشوائي، تارة عن طريق تمويل الصناديق، وطوراً تحت شعار دعم المشاريع التي لا طائل تحتها على الاطلاق. فلا اصلاح سياسياً واقتصادياً الا ببرنامج سياسي واقتصادي واضح المعالم، يتضمن خصخصة بعض القطاعات، وتخفيض الاسعار، بما يؤدي الى اعطاء العمال حقوقهم، تثبياً للعدالة الاجتماعية، سيما وان لا اقتصاد وطنياً ما لم يترافق بعدالة اجتماعية. فالتفاوت بين الطبقات بدا واضحاً، والفروقات الاجتماعية بادية للعيان، ما سبب صراعاً اجتماعياً وطبقياً لا نهاية له. باختصار، اننا ندعو الى قيام مجتمع الكفاية والعدل قياماً لمجتمع مدني يؤمن بدولته، بعيداً عن التناقض الاجتماعي الذي لا يمكن معالجته بالتسوية والمماطلة، والمسكنات، بما يفسح في المجال، يتوترات داخلة، وتدخلات خارجية.

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…