فوز اردوغان التركي هزيمة للرهانات الخاسرة

بشار العيسى

اثبتت النتائج التي افرزتها الانتخابات التركية “1” أن رجب طيب اردوغان وجهازه الحزبي والاداري، طراز رفيع من رجال الحنكة السياسية وإدارة الدولة، لقد استطاعوا المرور خلل ألغام وتعقيدات وصراعات مفاسد السلطة وتعقيدات بناء الدولة والتسريبات الفضائحية والامنية والتي ربما لم تكن كلها من فعل ايدي الخصوم وحدهم. لم تخسر تركيا بفوز اردوغان، ولم يخسر الكرد بثبات الحاضنة السياسية لحزب العمال الكردستاني على ولائها لممثلها السياسي (حزب السلام والديمقراطية) بقيادة الأسير الدولي عبد الله اوجلان.

لم تخسر تركيا لان فكرة الحوار السياسي بين الترك والكرد تجاوزت قطوع الشكوك والمراهنات والتهييج القومي والعنصري والطائفي والمذهبي والتجاذب الاقليمي. فلقد اثبتت الانتخابات ونتائجها ان الحوار خيار مستقبل تركيا، كردا واتراكا وباقي مكونات ولا بديل لها رغم تشابك وتعقيدات المسألة فهو خيار المستقبل. فاز حزب العدالة والتنمية الاسلامي الإخواني ورأينا “اردوغان” في احتفال النصر يرفع يديه بإشارة رابعة الاخوانية المصرية. فالذي خسر هو خطاب التخوين والمذهبية المغلفة بلبوسين متناقضين: الشارة اليسارية التي ميزت حزب الشعب الجمهوري خلال عقود من السنين مضافا اليه هذه المرة قناع الحركة القومية المتطرفة في تحالف غريب ومستهجن مع السلفية المافيوزية لحركة “فتح الله غولن” وبقايا “ارغنكن” التي تضرجت أيدي مجرميها بدماء آلاف المناضلين اليساريين والكرد من نشطاء وطلبة ونقابيين ومثقفين.

كشف هذا التحالف الوقتي زيف خطابات القوى المعارضة الثلاثة، لقد تحالفت الضباع والثعالب مع الذئاب في وليمة اقليمية عابرة للحدود زوّادتها الاستقطاب الدولي والمال السياسي والصراع على الدولة التي تحررت من إثم تقادم بالارتهان وتفسخ. حزب الشعب الجمهوري بإرثه اليساري وزعامة كردي علوي (كليشدار اوغلو) ينحرف الى موقع اليمين القومي العنصري ويتفق الاثنان مع “غولن” على تخطئة اردوغان في حواره مع اوجلان حول حل سياسي للمسالة الكردية، لإضعافه في صراع اقليمي مع سلطة الاسد، وعلى الساحة الدولية لإعادة تركيا الى “المعزل المأجور”.

لقد صوتت الحركة القومية ليسار (غدا مذهبيا) طالما اتهمته بالعدمية القومية بالتحالف مع حركة سلفية بالتضامن مع حزب (الشعب الجمهوري) لوّث بغباء سياسي ارتهان طائفة تركية “العلوية القزلباشية” لمصالح ايرانية اقليمية، طالما صوتت بحاضنتيها الكردية والتركية لصالح قوى التغيير واليسار في مواجهة دولة العسكر والاستخبارات والعنصرية القومية والدينية.

بمعزل عن انجازات حكومة اردوغان في مجالات: التنمية، والنظافة البيئة، والعصرنة بإصلاح المؤسسة العسكرية وتنظيف الجهازين القضائي والامني من مثالب ومرتكزات الدولة العميقة، فالخيار الاستقلالي الدولي والاقليمي الذين ميزا استراتيجية حزب العدالة والتنمية بشخصيتي أروغان واوغلوا أتيا بثمار السير على الحافة مقاربة المحرّمات (العلمانية والعسكر) ولمس المقدس ( الاعتراف بالوجود القومي الكردي) وارتياد المجهول لبناء دولة جديدة تقطع مع الماضي:

ـ القطع مع العلمانية الشكلية ودور العسكر والمؤسسة الامنية كحام لها لمنع اي اصلاحات.

ـ ارساء المسالة الديمقراطية التركية على حجر الحوار التركي الكردي: دولة وحركة تحرر.

ـ تأكيد دور ومكانة تركيا: اقليمي شرق اوسطي، ودولي اوربي، في مثلث الصراعات التاريخي العثماني الروسي الاوربي.

ـ تثبيت صناديق الاقتراع حكما لا بديل عنه ولا التفاف عليه في مستقبل تركيا الدولة بدل تركيا العنصر.

ـ اثبت حزب العمال الكردستاني نضجاً وقدرة على استيعاب البراغماتية الاردوغانية: امتصاصها واعادة استثمارها في مصلحة ومستقبل شعوب الدولة التي اسمها تركيا الجمهورية، فلم ينصرف في فوضى الفضائح الى استغلال الشريك لإصابته في مقتل يرتد عليه بنقل الماء الى طاحونة خصوم لا رؤية سياسية لديهم لمستقبل تركيا وشعوبها، غير اثارة الفوضى والحنين الى الماضي.

فلم ينظر ولم ينطلق في معركته الانتخابية على أنها معركة كسر عظم مع اردوغان، بل معركة تركيا على المستقبل التاريخي لحوار الشعبين بممثليهما “العدالة والتنمية” و”السلام والديمقراطية”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 1 ـ نتائج الانتخابات التركية ـ حزب اردوغان “العدالة والتنمية” 46 بالمئة من الاصوات الناخبة و17 بلدية كبرى منها استانبول وانقرة وانطاليا وطرابزون وبورصة وارض الروم وملاطية وغازي عنتاب، و48 محافظة ولاية. ـ حزب الشعب الجمهوري مع حزب الحركة القومية وحزب “الخدمة الايمانية” غولن، حازا على7 مدن كبرى منها ازمير المعقل التاريخي للاتاتوركية الاسكندرون واسكي شهر ومرسين و15 محافظة ولاية. ـ حزب السلام والديمقراطية ( الكردي) سيطر على 4 بلديات مدن كبرى ( ديار بكر آمد، وباطمان، وماردين، و وان) و11 ولاية ( محافظة) و66 مركز ناحية.