أخبث كلام إسرائيلي

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

عاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس والوفد المرافق له من زيارة واشنطن بنتيجة واحدة: تمديد مهلة المفاوضات إلى نهاية العام على الأقل، والسعي لدى إسرائيل إلى إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وهي رفضت تنفيذ هذا البند من اتفاق الدخول في التفاوض لتبقى تمارس سياسة الابتزاز في كل اتجاه وموضوع. لن يكون اتفاق إطار معلن من قبل وزير الخارجية الأميركية جون كيري، لكن إسرائيل تصرّ على يهودية الدولة، وتعتبر أنها أخذت هذا الالتزام من الرئيس الأميركي أوباما، ومن وزير خارجيته وكل المسؤولين الأميركيين. وتضعه شرطاً مسبقاً على القيادة الفلسطينية يجب أن تلتزم به بدورها، لتسير الأمور إلى الأمام، أي أمام؟ وكيف؟

حكومة إسرائيل الإرهابية مستمرة في التوسّع والاستيطان، ولا شيء يردعها، ولا أحد يقف في وجهها، والإدارة الأميركية تجنبّت المشكلة، فربحت تمديد المفاوضات، وأضيف إلى المشاكل التي تواجهها مشكلة أوكرانيا والمواجهة السياسية مع الروس، والتي تصدرت اهتمامات الإدارة وحلفائها الأوروبيين، الذين عقدوا قمة الأمن النووي في لاهاي، واستبعدوا موسكو منها في محاولة لعزلها كما يقولون. فكانت قمة السبع وليس الثماني!

وبعد أشهر ستبدأ التحضيرات للانتخابات في أميركا، وستكون الإدارة منشغلة بها، وبالتالي تكون إسرائيل قد كرّست ما تريده، وزادت من توسعها وسيطرتها على أراض فلسطينية دون أن تقدم شيئاً، حتى في موضوع الأسرى، ذهبت إلى ابتزاز الأميركيين مع الفلسطينيين. من الفلسطيني هي تريد الاعتراف بالدولة اليهودية، وتزعم أنه ليس ثمة اتفاق على مهلة زمنية لإطلاق سراح الأسرى، إنما هذا الأمر مربوط بالخطوات الإيجابية التي تتخذها السلطة الفلسطينية.

ومن أميركا طلبت إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي «جوناثان بولارد» كثمن لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. التبادل هو بين أميركا وإسرائيل، والموضوع هو فلسطين، وبالتالي تبادل المصالح والخدمات على حساب فلسطين، وكان «أبو مازن» طلب إطلاق سراح مروان البرغوثي مع الأسرى الآخرين في محاولة منه لنيل ثمن يعزز صدقيته وشعبيته في الوسط الفلسطيني، إلى جانب إصراره الدائم على رفض الالتزام بيهودية الدولة الإسرائيلية.

وتحسباً لاحتمالات الخلافة في القيادة الفلسطينية في ظل الحديث عن البدء بتحضير محمد دحلان لخلافة أبومازن، وقد برزت خطوات ومبادرات وأعمال ميدانية في هذا الاتجاه من قبل دحلان وجماعته! ما يضعف السلطة وفتح، ويزيد الانقسامات اليوم، إضافة إلى الخلاف الكبير بين «حماس» و«الجهاد الإسلامي» والاستحقاقات الأمنية في غزة بعد العمليات الأخيرة التي شهدها القطاع، والتهديدات الإسرائيلية المستمرة والاعتداد بكشف نفق أساسي أقامته «حماس» للانطلاق منه لتنفيذ عمليات داخل الأراضي المحتلة، ما جعل إسرائيل تذهب إلى مزيد من التشدد، واستغلال كل خطوة وموقف وكلمة وتصرّف، لتبرر ممارساتها العدوانية والإرهابية، ولتتمسك بشروطها وسياساتها.

في هذا السياق، وبعد أن كان النائب في الكنيست «موشي فيجلين»، قد دعا المسلمين إلى الذهاب إلى مكة لأن هناك أرضهم، وتقدّم بمشروع قانون يناقش في الكنيست يدعو إلى وضع المسجد الأقصى تحت سيادة وزارة الأديان الإسرائيلية، فقد أعلن في حديث إلى صحيفة «ليموند» الفرنسية الأسبوع الماضي: «إن الحلم اليهودي الذي سمح لشعبنا بالبقاء حياً خلال ألفي عام، هو إعادة بناء الهيكل، كل من يتخلى عن هذا القدر والعزم، يخرج نفسه من صفوف الشعب اليهودي» ! «المسألة ليست مسألة الصلاة في جبل الهيكل. المسألة هي مسألة سيادة! ولا نقاش فيها، نحن لا نتقاسم هذه المواقع مع أحد، ولا نتشارك فيها مع أحد، هل يتشارك ويتقاسم المسلمون مكة مع غيرهم؟ وهل يتشارك ويتقاسم المسيحيون الفاتيكان مع غيرهم؟ نحن لا نتقاسم القدس، ولا نتشارك فيها مع أحد، هذا خط أحمر بالنسبة إلينا»!

إنه أخبث وأخطر كلام يُقال اليوم بهذا الوضوح. وقد ذكرت الصحيفة، إن الأصولية اليهودية وجدت إلهامها في «معهد الهيكل» الواقع على بعد مئات الأمتار من حائط المبكى، ويرأسه الحاخام «إسرائيل آرييل»، الذي قال إن مليون زائر في العام يدخل إلى متحف المعهد! وهذا الحاخام هو واحد من خمسة حاخامات أرسلوا كتاباً إلى وزير الخارجية الأميركية جون كيري اعتبروا فيه مساعيه لتحقيق اتفـــاق مع الفلسـطينيين «إعلان حرب ضد الخالق» ! ووصمة عار! وقال للصحيفة : «على العرب أن يدركوا أن مساجدهم يجب أن تزول، وعندما يعاد بناء الهيكل يمكن لليهود والمسلمين والمسيحيين أن يأتوا للصلاة في قدس الأقداس» !

أما مدير المركز التاريخي في المعهد «حاييم روزانفيلد»، فيقول للصحيفة: «لدينا في سفر التكوين وسفر الخروج في كتبنا المعلومات الدقيقة الموثقة الموجودة المطابقة لما كان عليه الوضع في مرحلة الهيكل الأول، الذي، إذا كنا نريد إعادة بنائه فلأنه الحل للسلام العالمي» متى؟ أجاب: «الله خلق العالم لستة آلاف سنة نحن الآن في عام 5774 – حسب التقويم اليهودي» – يعنـــي يبقى لنــــا 26 عاماً! حسب هذه النظرية سنرى فيها العجائب وبناء الهيكل ونهاية العالم!

هذا هو العقل الذي يتحكم بمفاصل القرار الإسرائيلي اليوم. المسجد الأقصى مهدد، والمساجد كلها مهددة، والتاريخ العربي والإسلامي المسيحي مهدد في فلسطين، والتوسع مستمر، والاستيطان البشري والفكري مستمر تهويداً للأرض، وتأكيداً ليهودية الدولة. والعرب، يجتمعون في قمة عنوانها «التضامن والمستقبل الأفضل»! لا تضامن في أي أمر، ولا قراءة موحدة للمستقبل، لا رؤية، ولن يكون شيء أفضل في المرحلة المقبلة، بل نحن ذاهبون بعد القمة إلى مزيد من الخلافات الخليجية – الخليجية، بعد الموقف الأخير من قطر ودورها وسحب السفراء منها، والقرارات الأخيرة بتصنيف منظمات وجماعات، في خانة الإرهاب، ومزيد من الخلافات حول سوريا، وانتخابات الرئاسة فيها، وفي ظل ضياع على مستوى المعارضة، وتأكيد الأخضر الإبراهيمي أن الظرف لا يسمح باستكمال جنيف 2، والسفير الأميركي السابق «روبرت فورد» يؤكد عدم شرعية الأسد واستحالة الحل العسكري، ولا أفق لحل سياسي! إذاً ماذا ينتظرنا؟ المزيد من التدهور في فلسطين والخلاف الفلسطيني – الفلسطيني والابتزاز والتصلّب الإسرائيلي، والحرب المفتوحة على كثير من الخراب والدمار والركام والخسائر في سوريا، والتفجيرات المستمرة في العراق، والتوتر بين دول الخليج. وللبحث صلة.