إسرائيل بين سفوبودا و«القاعدة»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

بقرار ضمّ منطقة القرم في أوكرانيا «القديمة» إلى روسيا، تدخل الأزمة الأوكرانية، بل الجغرافيا الأوكرانية وما حولها مرحلة جديدة، في بدايات القرن الواحد والعشرين. فإذا أدى هذا القرار إلى فرز وتقسيم ستكون تلك بداية مشاريع مشابهة في مناطق كثيرة. ونحن في منطقتنا توقعنا التقسيم سابقاً في لبنان، ثم نتحدث عنه الآن كاحتمال في سوريا، ثم تكرّ السبحة. هكذا يكون التوقع هنا، والواقع حقيقة هناك! وفي كل الحالات، النتيجة واحدة. الفرز هنا سيؤدي إلى فرز هناك.

وإذا كان القرار قرار ضم وقضم فقط، فإنه يشكل أيضاً سـابقة علـى مستوى العالم، وبالتالي أي دولة قوية، كبرى، تستطيع أن تضم إليها مناطق من دول محاذية غنية أو استراتيجية وتحت العنوان ذاته: الدفاع عن المصالح العليا للدولة الضاّمة! أو تلبية نداء المواطنين الناطقين بلغة هذه الدولة لحمايتهم! وهذا سيؤدي إلى تغييرات في المعادلات والتوازنات والخرائط على أرض الواقع في العالم كله. مما يشكل خطراً علينا نحن في هذه المنطقة، حيث أن إسرائيل دولة الاغتصاب والإرهاب لم تتوقف عن محاولات إثارة النعرات والانقسامات وتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية لتحقيق التفتيت الذي يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ويبدّد طاقات العالم العربي كله، ويجعله مفتوحاً على كل الأزمـــات والاحتمالات.

في هذا السياق، يمكن التطلع إلى خطر الصراع في أوكرانيا وربطه بما يجري في منطقتنا ومتابعة الحركة الإسرائيلية الساعية إلى الاستفادة من كل ذلك في ظل غياب تام للعرب كالعادة.

اليوم، يدور الحديث في أوكرانيا عن ظاهرة «النازيين الجدد»، الذين يعبّر عنهم حزب «سفوبودا» أحد أبرز دعائم المعارضة الأوكرانية. رئيس الحزب «أوليج تيانيبوك» دعا إلى «محاربة الروس واليهود».

ووصف أحد ممثلي الحزب في البرلمان اليهود بأنهم «نتنون». في أوكرانيا جالية يهودية يقارب عددها الـ 400 ألف نسمة. يحتل أبناؤها مواقع نافذة في مؤسسات وجمعيات كثيرة في الدولة، انتفض هؤلاء واعتبروا أن ثمة تحقيراً لليهود وحملة اضطهاد جديدة ضدهم. وذهب البعض إلى الحديث عن «هولوكوست» جديدة تنتظر اليهود في أوكرانيا، مستذكراً المجازر التي تعرضوا لها في كييف عام 1941. وذهب آخرون إلى استحضار المجازر التي ارتكبت سابقاً على أيدي القوقاز وحلفائهم خلال العامين 1648 و 1649 وقتل فيها أكثر من 100 ألف يهودي !

هذا الأمر دفع بالحاخام الأكبر في أوكرانيا إلى دعوة اليهود إلى الهروب. وتلاقت دعوته مع أصوات ارتفعت في إسرائيل تطالب بإعداد خطة لجلب يهود أوكرانيا إلى فلسطين في سياق برنامج يهدف إلى استقطاب المزيد من اليهود من أوروبا إلـى أرض «الميعاد»، وذلك لمواجهة المدّ الديموغرافي الفلسطيني، وتأكيد وتثبيت موقع الدولة اليهودية!

الرئيس الروسي بوتين تحدّث بدوره عن نازيين جدد. وهذا يخدم المصلحة الإسرائيلية. فالمسؤولون الإسرائيليون يطالبون الروس بمزيد من الضمانات والحمايات على كل المستويات. ويشيرون إلى خطر مشترك يستهدف روسيا وإسرائيل، وواقع إسرائيل الجغرافي يحتّم على كل المتضررين من مثل هذا الخطر أن يبادروا إلى تفهم ممارساتها ومواقفها والسعي إلى حماية مصالحها!

يُضاف إلى هذا الخطر، خطر مشترك أيضاً، وهو ما يسمّيه الروس والإسـرائيليون «الإرهاب»، وامتداداً الإرهاب الإسلامي! وكأننا أصبحنا أمام خطرين . «سفوبودا» والقاعدة وأخواتها، اللذان يشكلان قاسماً مشتركاً بين روسيا وإسرائيل في المواجهة. الروس يقولون: لا نقبل نازيين جدداً وفي الوقت ذاته، يستمرون في مواجهة ما يسمّونه خطر الإرهاب الذي يبرز في بعض الجمهوريات الإسلامية داخل روسيا الاتحادية، وفي مواقع أخرى في العالم.

وتحت هذا العنوان يدرجون موقفهم مما يجري في سوريا على سبيل المثال لا الحصر! بمعنى أنهم يريدون تثبيت أولوية مواجهة الإرهاب على غيرها من المسائل التي تطرحها المعارضة، وعلى رأسها تغيير النظام، انطلاقاً من تغيير رأسه ونحن على أبواب انتخابات رئاسية سورية.

إسرائيل تقول: «لقد وصلتم إلى ما كنا نحذّر منه. أصبح التطرف يهددّكم في كل مكان. ونحن محاصرون بالخطرين المذكورين ونشعر بتهديد دائم. ولذلك على أوروبا ألا تذهب إلى مقاطعتنا أو معاقبتنا وهي التي تخشى عودة أبنائها الإرهابيين من سوريا لأنهم سيقومون بأعمال إرهابية على أرضهم. العكس هو ما يجب أن ينفذ، أي أن نكون معاً في مواجهة موجات التطرّف والإرهاب».

وما يعزّز كل هذه النظريات هو التقارير التي تشير إلى «سفر النازيين الجدد من جمهورية تشيك مثلاً للقتال مع نظرائهم في ميدان كييف»، كما قال «ميخائيل بريفو» مدير الشبكة الأوروبية ضد العنصرية ومقرها بروكسل، إلى صحيفة «السفير» اللبنانية وأضاف: «كانت هناك نزعات تطرف هائلة سائدة في أوروبا خلال العقدين الماضيين، وما نراه الآن هو الذروة، لأن الأزمة المالية عملت كمحفـّز» !

وكأننا أمام ساحات «جهاد» إنْ صح التعبير للنازيين، تشابه ساحات «الجهاد» التي تعلنها الفصائل الإسلامية المتطرفة هنا وهناك، وهذا ما تبني عليه إسرائيل أيضاً مواقفها السياسية والإعلامية وحساباتها الأمنية المستقبلية !

بهذا المعنى نرى إسرائيل تستفيد من خطر «الجهاديين» «النازييـــن» أو «الإسلاميين» كما تقول لتبرّر منطقها وسياساتها. العرب كالعادة غائبـون: لا موقف، لا رؤية، لا حركة، بل في معظم الأحيان لا تحليل ، وإذا وجُد، فلا خلاصات واضحة، وإذا وصلنا إلى شيء منها، فلا سياسات تُبنى على أساسها.

أما إيران على سبيل المثال، فقد كرّر مسؤولوها أكثر من أي وقت مضى مواقفهم الرافضة للمحرقة ضد اليهود ودعواتهم إلى نبذ الإرهاب مقدّمين أنفسهم في طليعة المحاربين ضده !