سعد الحريري: رجل دولة من طراز رفيع

محمود الاحمدية

“رجل الدولة الذي نفتش عنه هو هذا القوي الذي يستمدّ قوّته من ينبوعَيْن: ينبوع نفسه وينبوع الشعب ” (كمال جنبلاط)

بعد تسع سنوات مملوءة بالعذاب والقهر والإنتظار … قامت المحكمة الدولية في لاهاي من أجل محاكمة الذين ارتكبوا جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 أمام فندق سان جورج … وبدأت جلسات المحكمة الاسطورية على الهواء أمام جمهور متعطّش لمعرفة الحقيقة، وذهل الناس بكلّ التفاصيل التي وضعها الإدّعاء ،مستعملا” طريقة” نموذجيّة في الشرح ومستخدما” التكنولوجيا على أحلى المستويات. وقبل أن تبدأ الجلسات الخاصة بالشهود، كان العالم كلّه يراقب الرئيس سعد الحريري القابع في الزاوية العليا بين أهالي الشهداء وكلّما اقتربت الكاميرا منه كنت ترى آثار السنين والهمّ والحزن في وجهه وعيونه ونظرته للأمور ومتابعته الدقيقة لكل لحظة من عرض الإدّعاء وصولا” إلى تفجير ثلاثة اطنان من المتفجرات في موكب والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري ووسط ذهول العالم أجمع حتى ولو كنا في طور الادّعاء ، كان الصمت والوجوم والحزن العميق العميق، عندما اطلق تصريحه الأول أمام المحكمة قائلا” هل حقيقة” هناك لبنانيون من أبناء وطني يكنّون كلّ هذا الحقد لرفيق الحريري وكلّ هذه اللحظة الجهّنمية لتفجيره بثلاثة أطنان من المتفجرات؟؟ رفيق الحريري الذي بنى الوطن وانقلب ثورة” عمرانيّة” قلّ أن شهد التاريخ مثلها فإذا ببيروت تنقلب من متاريس ينبت فوقها العشب اليابس إلى عاصمة تتلألأ بألف لون ولون وإلى وسط أصبح حديث العالم أجمع وامتدّت يد العمران لتطال كلّ جوانب الحياة ويصعب تعدادها ولكن يكفيني كمواطن لبناني وبشكل شخصي ان رحلتي من خلده إلى وسط بيروت قبل تدمير بيروت وبعدها كانت تأخذ ساعة كاملة وتحوّلت إلى عشرة دقائق بفضل الاوتوستراد! هذا غيض من فيض … وعادت السياحة والناس والضجة والعالم وعادت بيروت لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط !!

وكانت المفاجأة القنبلة عندما أعلن الشيخ سعد فصل المحكمة عن إعادة بناء الوطن من جديد وذلك بمدّ اليد للجميع من أجل لبنان وتوّج حديثه بمقابلة تلفزيونية في باريس فنّد فيها كلّ حججه وانفعالاته ورؤياه للبنان جديد ، يقوم من جديد من تحت الانقاض ، لبنان الدولة القادرة ، لبنان بكل تنوّعه ، ومكرّرا” جملة تتطلب جرأة كبيرة: نعم أنا أعرف من قتل أبي ولكني من مدرسة رفيق الحريري الذي عاش واستشهد كي يرى لبنان القوي الجميل القادر بكل طوائفه ومذاهبه ! وماذا سنجني اذا تركنا للحقد أن يأخذ مجراه ! وهنا وعلى عادتنا كلبنانيين وصلنا الى عدم الثقة بأنفسنا أن نتّهم كلّ من يقوم بمبادرة فذة وتاريخية بأنّ هناك قوّة خارجية دفعته لإتخاذ هذا الموقف !! لقد تعوّدنا على النسنسة والكلام الخافت المدمّر من تحت الطاولة!! ولكن سعد الحريري أكّد كل ما قاله واختصر كلّ المسافات في إحتفال 14 شباط في بيال عندما كان العقل من جديد سيّد الموقف وعندما أكّد أنّ القوة ليست هي الحل، الدولة هي الحل … كلّ الناس تحتاج إلى الدولة … وكان واضحا” بشكل شديد ان السنّة ليسوا على شاكلة داعش ولا النصرة ! وقيمة نضالاتهم هي في اعتدالهم في هذه المواقف المتنوّرة التي تملك الرؤيا وعندما قال: من سواحل الهند إلى شواطىء المغرب ليس هناك رئيس جمهورية مسيحي واننا لن نقبل إلا برئيس جمهورية مسيحي ولن نسمح للفراغ أن ينتعش وينتصر وينهزم منطق الدولة ونخسر لبنان !!

17 كانون الثاني 2014 تاريخ مضيء في مسيرة اللبنانيين… تاريخ اول تصريح لسعد الحريري خارج محكمة لاهاي حيث فتح الطريق واسعا” لبناء لبنان جديد … لبنان القوي … لبنان لجميع أبنائه … لبنان بجيشه وشعبه … في هذا اليوم التاريخي اختار سعد الحريري العقل البارد والموقف المسؤول وإحدى نتائج هذا الموقف التاريخي وبدون تبسيط للأمور هو تسهيل قيام هذه الحكومة إنطلاقا” من مبدأ ( الوطن أهم من الجميع)… هناك كثير من النضج والمسؤولية في خطاب 14 شباط وظهر الحدّ كالسيف بين الأصولية والإعتدال فكرّس الرئيس سعد الحريري موقفا” تاريخيا” للسنّة يقوم على منطق الإعتدال الموصل إلى ضمير الناس وعقولهم .

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة