سوريا.. والحرب المفتوحة!

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

اليوم، تدخل الحرب السورية عامها الرابع. بدأت انتفاضة سلمية قادها رجال من درعا استنكاراً ورفضاً لسياسة النظام واعتقال أطفال وتعذيبهم وسحب أظافرهم، ثم إهانة أهلهم وشيوخهم وكبارهم الذين جاؤوا للبحث عن تسوية تحفظ كرامة وعادات وتقاليد متوارثة منذ عقود من الزمن.

النظام لم يحاسب ولم يعاقب، بل قتل بعدها أطفالاً، واعتقل متظاهرين في عدد من المدن وأصرّ منذ البداية على اعتبار أن ثمة مؤامرة، وأن الضرب بيد من حديد والتشدّد الأمني، هما الحل والخيار الوحيدان. توسعت دائرة الاعتراض والانتقاد وعمّت المواجهات المحافظات المختلفة حتى تحولت إلى حرب حقيقية. ومع الوقت باتت الحرب، حرب الحروب. حرب الدول والأمم، والمحاور، والمخــــابرات، والأحزاب، والحركات، والعصابات، والحسابات المختلفة في القرى والمدن، وفتحت الحدود لكل أشكال التدخل وأخطرها وصول متطرفين وإرهابيين من كل حدب وصوب، بعد أن عمل النظام على إطلاق سراح عدد من هؤلاء من السجون لاستخدامهم في الداخل ولاقاه في ذلك النظام العراقي الذي أطلق بدوره إرهابيين من سجون مختلفة وأرسلهم إلى سوريا، مما أفاد النظام في استغلال هذه المسألة، لتأكيد زعمه من الأساس بأن المسألة ليست مسألة تغيير وإصلاح تطوير وحقوق شعب وديموقراطية وحرية، بل ثمة إرهابيون يريدون تخريب سوريا وإسقاطها! وهذا العنوان عمل عليه من الأساس واستدرج دولاً كثيرة إليه باتت تخشى عودة من صدّرتهم إلى سوريا، أو جاء من دون علمها إليها للمشاركة في «الجهاد»، وتنفيذ عمليات «إرهابية» على أرض بلاده!

استعراض السنوات الثلاث الماضية يحتاج إلى صفحات كثيرة، لكنني أتوقف اليوم عند الأدوار الأساسية في الحرب، والاستحقاقات المرتقبة فيها، وتعثـّر الحل السياسي، ولعبة الدول المؤثـّرة.

الأميركيون اندفعوا في البداية ضد النظام، اعتبروا أنه فقد شرعيته وأن على رأسه الرحيل، وصوّروا موقفهم دعماً للمعارضة بكل الأشكال، وهذا ما لم يتم، بل أقلعوا عن الدعم تحت عناوين مختلفة أهمها خشيتهم من وصول السلاح إلى القـوى المتطرفة، وهم لم يقدموا دعماً يذكر للمعارضة قبل ظهور المتطرفين! ثم ذهب الأميركيون إلى اتفاق مع الروس على الحل السياسي، الحل الوحيد الممكن، وانطلق الطرفان من المعادلة التالية التي لا تزال ثابتة حتى اليوم. الأميركيون يقولون: بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحيّ الأسد. والروس يؤكدون: انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد. يعني يرحل الأسد عندما تنتهي العملية السياسية، يعني عندما نكون قد اتفقنا، وحتى الآن لم يحصل الاتفاق. لأنه ليس اتفاقاً على سوريا فحسب، إنما يشمل قضايا وملفات كثيرة عالقة بين الطرفين، وهي مرتبطة ببعضها البعض، وجاء الوضع في أوكرانيا ليزيد الأمور تعقيداً.

أميركا اليوم لا تدعم المعارضة، لا تدعم أي تحرك عسكري، لاتسلحّ، بل تسلّم بأولوية مكافحة الإرهاب، تختلف مع الدول العربية الحليفة التقليدية، وهذه الدول تختلف في ما بينها، أميركا تذهب إلى إيران تتفق معها، يتأخر التنفيذ بسبب الضغط الإسرائيلي رغم التزام إيران بكل ما تم الاتفاق عليه، إسرائيل تريد الابتزاز في كل اتجاه، هي المستفيد الأول من كل ما يجري في سوريا وفي المنطقة.

سوريا تدمّر جيشها ينقسم، وصورته تهتز، عتــــاده يستخدم في حرب داخلية، سلاحه براميل فوق رؤوس الناس، ملايين المشردين واللاجئين والنازحين في الداخل وإلى الخارج. اليونيسيف تتهم النظام، تحمله مسؤولية الأوضاع الإنسانية وواقع الأطفال وسياسة التجويع، التقارير المنشورة عن ما يتعرض له النساء في السجون والشوارع مرعبة. اغتصاب الفتيات والنساء أمام أزواجهن وأولادهن بعد التعذيب ومعلومات ومشاهد مقزّزة.

جنيف 2 يفشل، ومجلس الأمن يتخذ قراراً حول الوضع الإنساني وتذهب الدول إلى مناشدة الأسد بالتنفيذ واتخاذ خطوات إنسانية ! عجز كامل، دول تدعو إلى الضغط على الأسد للتنحي وعدم الترشح في الانتخابات، وجيشه يتقدم على الأرض والمعارضة تنقسم على بعضها. تتقاتل فيما بينها وتستمر محاولة التركيز على التطرف والإرهاب وكأن لا معارضة شعبية، أو لا شعب في سوريا، العملية هي فقط مجموعة من الإرهابيين، الذين جاؤوا من الخارج وهم يدمرون سوريا ويهددون أمن الناس ويروعّون الأبرياء ويفرضون نظام قيم غريباً وخطيراً، بعيداً عن حقيقة المجتمع السوري.

هذا جانب صحيح ومؤلم وبشع من المشهد السوري في ضفة المعارضة، لكنه ليس كل الحقيقة، الحقيقة أن ثمة سوريين معارضين مقاتلين ورافضين للنظام ولهذه الممارسات في الوقت ذاته لكن دورهم إلى تراجع بسبب الأخطاء والخطايا التي ارتكبت من قبل ما يسمى المجتمع الدولي والتأخر عن قصد في دعمهم وبسبب السياسات العربية والتركية الخاطئة التي اعتمدت في مواجهة النظام. فعندما يصبح الشأن العام في يد أولاد أو أوغاد أو مراهقين أو متهورين في المعارضة والنظام لا يمكن أن تكون النتيجة إلا على ما هي عليه اليوم.

أميركا، من أوباما إلى كيري إلى السفير السابق «فورد»، الكل يتحدث عن استنزاف روسيا وإيران و«حزب الله» في سوريا، يعني لتستمر الحرب ! وخبراء في الإدارة الأميركية يقولون إنها قد تمتد لسنوات عشر أخرى! روسيا ستتشدد في مواقفها أكثر بعد تطورات أوكرانيا. إيران لم تغير موقفها في دعم النظام وستكون خطواتها أكثر حزماً إلى جانبه مستخدمة حضورها المباشر ودور «حزب الله» اللبناني و«فيلق بدر» وكتائب أبو الفضل العباس العراقية.

إذاً الحرب مستمرة، والدول العربية لم تعد قادرة على التراجع وتركيا تراجع حساباتها، والعرب مختلفون. والذين لا يزالون على اتفاق، الكل يمارس سياسة الهروب إلى الأمام. يريدون إسقاط بشار وقد سقطوا في وحول سوريا من جهة ويخشون الإرهابيين من جهة أخرى وبشار يستفيد. وهو سيترشح للرئاسة بعد أشهر قليلة وسيكون رئيساً رغم كل ما يُقال مسبقاً عن الانتخابات وظروف إجرائها وعدم شرعيتها ومعنى استمراره. وواقع الحال اختصرته صورة نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية عن مخيم اليرموك. من أفضل اللقطات التصويرية لكنها الأكثر إيلاماً، الألوف محشورون في شارع ينتظرون فتات مساعدات لم تأت بعد أن مات قسم من الناس جوعاً ولم يجد كلاباً أو أعشاباً لأكلها.

سوريا في السنة الرابعة من الحرب تتجه إلى مزيد من الخراب والدمار والحقد والقتل، ساحة تبادل رسائل وتصفية حسابات.

«ما أحمله إليكم أخبار غير جيدة عن سوريا، حيث فصيل من (القاعدة) يواجه فصيلاً آخر من (القاعدة) أيضاً. الوضع منقسم إلى هذه الدرجة. شظية حادة مقابل شظية حادة أخرى ». هكذا اختصر «روبرت فورد» السفير الأميركي السابق لدى سوريا، المشهد منذ أيام، الذي لطالما قدّم نفسه بطلاً داعماً للمعارضة على الأرض السورية مباشرة! لا يرى معارضة شعبية ديمقراطية، بل الكل قاعدة ! وخطر التقاتل والعنف والإرهاب الذي ستصل شظاياه إلى كل الإقليم واضح.

الرئيس الأميركي يتحدث عن «عقلانية وهدوء وقوة إيران التي لا تقدم على الانتحار بل تتجاوب مع الحوافز. الإيرانيون لديهم استراتيجية. لا يتصرفون بردّات الفعل، لديهم رؤية عالمية، يستطيعون أن يروا أين موقع مصالحهم، يتجاوبون مع الثمن والمنفعة»! يقول ذلك قبل أيام من زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية. سبحان مغيّر الأحوال. يكفي أن نقرأ هذا الكلام لنعرف رأيه بالعرب الذين لا يزالون تحت الصدمة، ويتصرفون بردّات الفعل وانقساماتهم كبيرة وخطيرة، وأميركا ليست بعيدة عن الأسباب والحوافز!

مقبلون على أشهر صعبة في سوريا التي منذ ثلاث سنوات قلنا إنها دخلت في دائرة البازار الكبير، سنرى المزيد من التصعيد والتعقيد والدم والقتل والنار المشتعلة في كل اتجاه والبراميل المتفجرة في كل الساحات، والمزيد من المهجرين والمعذبين والمشردين، والانتخابات الرئاسية التي ستأتي بالأسد رئيساً مرة جديدة !

لم يأت أوان التغيير بعد، لابدّ أنه آت. متى؟ لا أدري، طويلة هي الحرب، لكن عندما يأتي سيكون في النتيجة على خراب سوريا ودمارها والكوارث المرعبة وعلى حساب وحدتها المهدّدة.