كمال جنبلاط البيئي: الأرض إلى زوال خلال 30 عاما”

محمود الاحمدية

بعد عدة أيام تمر ذكرى إستشهاد المعلم كمال جنبلاط وقبل الحديث عن هذا الحدس البيئي المتقدم والاستقرائي بإمتياز، لا بدّ من العودة إلى آخر الأخبار الخطيرة والمرعبة عن الاحتباس الحراري وتأثيره العالمي والإقليمي والمحلي بشكل جدي على حياتنا وعلى مصير هذا الكوكب…

فاجأتنا وكالات الأنباء العالمية بتحذير وجّههُ علماء عن ارتفاع حرارة الأرض وعمليات إستكشاف وحفريات قد تعيد إلى الحياة فيروسات قاتلة كانت تعتبر في عداد الفيروسات المنقرضة أو التي انتهى وجودها على الأرض… وقال علماء فرنسيون كانوا يفحصون قطعة أرض سيبيرية دائمة التجلد، ان فيروسا” مجمّدا” منذ 30 ألف سنة قد عاد من سباته… وأن عودة الحياة للفيروسات التي أعلن عن أجتثاثها وإستئصالها مثل الجدري، الذي تتشابه طريقة تكاثره مع فيروس (بيثوفيروس) لم تعد تقتصر على الخيال العلمي وجدية عودة خطر حدوث مثل هذا السيناريو في الحياة الواقعية وقد عثر على فيروس (بيثوفيروس) وهو من عائلة الفيروسات العملاقة والتي يحكى رؤيتها بواسطة الميكروسكوب مدفونا” في الجليد على عمق 30 مترا”… وأطلق البروفسور الفرنسي جان ميشال كلافرن على هذا الوضع إذا تعرضت طبقات الأرض المتجلدة للحرارة بالكارثة الحقيقية على الأرض ..

نظرة بسيطة إلى الواقع البيئي المناخي في العالم تتراءى لنا حقائق مذهلة… ذوبان مليارات الأمتار المكعبة في المحيط المتجمد الشمالي والجنوبي وسكان الأسكيمو أصبحوا معزولين عن بعضهم بفعل هذا الذوبان… وفي لبنان بدأ الجميع يشعر ماذا يعني عمليا” بعيدا” عن التنظير كلمة الاحتباس الحراري، فشح المياه الخطير ومنذ مئات السنين لم نرى مثله وظهور مواسم الفاكهة الإستوائية من الأفوكا إلى الكيوي في الجبل وظهور الليمون الحامض في الأعالي وللمرة الأولى وبالذات وعلى بعد أمتار من منطقة سكننا في دوحة بشامون شجرة تحمل ثمارا” من العام الماضي وزهورا” لهذا العام بطريقة مبكرة عجيبة غريبة…

كل هذه المقدمة وضعتها حتى أصل إلى فكر كمال جنبلاط البيئي وهو سابق لعصره وتكلم بطريقة علمية إستقصائية مدروسة ومرتكزة على آراء العلماء منذ أكثر من خمسين عاما”… في كتاب أدب الحياة صفحة 150 يقول المعلم:

“إنّ الجنس البشري قد يكون في حالة اضطراب وخطر اكثر مما نستطيع أن نتصور ذلك . ويمكن أن لا يدرك الانسان هذا الخطر إلا بعد ان يكون قد تجاوز به نقطة اللارجوع، أي حيث لا يعود يفيد أي تدبير ؟!” ويقول المعلم في الصفحة 151 : ” نحن في الحقيقة نلعب بأنفسنا وبالبشرية لعبة الروليت الروسية. فإننا نستمر في وضع كيماويات جديدة في البيئة المحيطة، دون أن نختبر النتيجة التي يمكن ان تسفر عنها . فإذا إحدى هذه المواد الكيميائية أحدثت تسمما” شاملا” للجراثيم الصانعة النيتروجين، فإن الانسان لا يعود يستطيع ان يتنشق الهواء في شهيقه وزفيره”. أي بكلمة، تعود الأرض إلى الظروف التي كانت عليها قبل ولادة هذا اللون من الحيوان ذي الرئة والألبان الذي يتوج سلالته الانسان.

ويحدد كمال جنبلاط مصادر التلوث سابقا” عصره بعدة عقود وكأنه يعيش أيامنا الحالية :

دخان المصانع والمعامل والغازات المنبعثة من مداخنها في الهواء، الدخان والغازات المنبعثة من السيارات، السوائل المعدنية والنفايات الناجمة عن عمل المصانع، الأدوية الزراعية والمبيدات الكيميائية وفعل الصيد وتهشيمه (حسب تعبيره) للطبيعة، النفايات الذرية، النفايات الصلبة ويأتي على مثل مرعب صفحة 159 : سنة 1971 رمى الاميركيون في الولايات المتحدة خمسين مليارا” من الأواني الزجاجية وأربعة ملايين طن من البلاستيك واكثر من مليون جهاز تلفزيون، وتسعة ملايين سيارة يتركونها في كل مكان، ويتحدث عن التلوث البصري والسمعي بطريقة مسهبة وتحليلية! وصولا” الى الجملة التي شكلت عنوان هذه المقالة وهي في الصفحة 152 قائلا”: “يجمع فريق كبير من العلماء الذين اجتمعوا في الولايات المتحدة انه اذا استمر هذا التصاعد في تلويث الاجواء والانهار والبحيرات والبحار، فإن الارض، كحاملة للطاقة الحية وكذلك الانسان لم يعد أمامها سوى ثلاثين سنة من الوجود، وإن كوكبنا بأسره مهدد، على الأقل إلى فترة طويلة، بأن يتحول إلى كوكب ميت !”.

وأخيراً ألا يتقاطع هذا التخوف الذي أبداه المعلم قبل عدة عقود مع ما جرى في الكون كله من خوف على هذا الكوكب وان يجتمع ماية وتسعون دولة ولأول مرة في التاريخ لمعالجة الاحتباس الحراري وطرق المعالجة حفاظا” على كوكبنا وذلك من خلال مؤتمر كوبنهاغن ؟؟

أردت من خلال تسليط الضوء على الحدس البيئي الذي كان يملكه المعلم ان يرتوي شعبنا بشكل عام بهذا الوعي البيئي المتقدم السابق لعصره! معلمي ستبقى خالداً في قلب كل شرفاء هذا العالم.. ويبقى السؤال المصيري : هل سيبقى ام يزول هذا العالم حسب تنبؤ كمال جنبلاط ؟

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة