إسرائيل والزمن الرديء

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

قبل ذهابه إلى واشنطن، أكد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه لن يقبل أي ضغط يمارس عليه ولن يفرّط بأمن دولة إسرائيل، وأن يهودية هذه الدولة أمر محسوم في ثوابته والحل النهائي مع الفلسطينيين إلى جانب أمور أخرى.

في واشنطن التقى أوباما، الذي كرّر ما قاله في زيارته الأخيرة إلى إسرائيل مخاطباً نتنياهو: «إن الوقت ينفد والآن هو وقت تحقيق السلام. وإن لم يكن الآن فمتى؟ وإنْ لم تكن أنت من يكون»؟ وأكد أوباما في مقابلة مع محطة بلومبيرج إنه «لم يعرض عليه بعد سيناريو يمكن إسرائيل من حماية طابعها اليهودي الديموغرافي بغياب حل الدولتين ومن دون تحقيق السلام مع جيرانها». وتســاءل ما إذا كـانت إسرائيل «تنوي احتلال الضفة الغربية بشكل دائم محذراً من أن النافذة تغلق أمام اتفاقية سلام يمكن أن تحظى بموافقة الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء» وقال: «إذا وصل الفلسطينيون إلى استنتاج بأن إقامة الدولة الفلسطينية المتصلة جغرافياً وذات السيادة إلى جانب إسرائيل لم تعد في متناولهم ومضت إسرائيل قدماً في توسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة عندئذ ستكون قدرتنا على إدارة التبعات الدولية محدودة». وأشار إلى «تعّرض إسرائيل إلى مقاطعة أوروبية أو احتمال لجوء الفلسطينيين إلى المحكمة الدولية الجنائية لمقاضاة إسرائيل على الاستيطان الذي يعرّفه القانون كجريمة حرب».

ولفت أوباما إلى أنه إذا لم يكن نتنياهو مقتنعاً بأن السلام مع الفلسطينيين هو الأمر الصائب لإسرائيل فليطرح البديل مشيراً إلى أن عدد الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين سيزداد مع مرور الوقت، وأن عزلة إسرائيل في العالم قد ازدادت، بحيث باتت الولايات المتحدة مضطرة للوقوف إلى جانبها في مجلس الأمن بشكل لم يسبق له مثيل.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري قال أمام مؤتمر «إيباك»: «أنا لا أعمل من أجل نفسي في مساعي البحث عن السلام والزيارات المتكررة إلى المنطقة. إنما أعمل من أجل إسرائيل. الأمر لايتعلق بي. إنه يدور حول أحلام الإسرائيليين وكرامة الفلسطينيين. ونحن نبذل ما في وسعنا للمساعدة في حل النزاع مرة وإلى الأبد وعبر دمج الخبرة العسكرية الأميركية وأفكار البنتاجون الممتازة وأفضل التكنولوجيا يمكننا ضمان أمن الإسرائيليين المطلوب لصنع السلام. وسنواصل الوقوف إلى جانب إسرائيل».

وأضاف : «ليس مفاجئاً أن الهدف النهائي ينبغي أن يكون ترتيبات أمنية توفر للإسرائيليين أمناً أكثر، واعترافاً متبادلاً بالدولة اليهودية ودولة الشعب الفلسطيني، وحلاً عادلاً متفقاً عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ويتيح في النهاية للقدس بأن تجسّد اسمها كمدينة للسلام»!

مع كل هذا التودّد لإسرائيل والتأكيد على أمنها والالتزام بها والدفاع عنها، وتثبيت يهوديتها في أي حل، فإن المسؤولين الإسرائيليين صبّوا غضبهم على المواقف المذكورة وأعلنوا رفضهم لها وتمسكهم بمشاريعهم وأفكارهم.

وزير الاقتصاد «نفتالي بينيت» قال: «يحظر على إسرائيل القيام بأي عمل يمسّ أمنها. وهي تعرف بنفسها كيف تدافع عن مصالحها . وليكفوا عن تخويفنا».

«يوفال شتانيتس» وزير الشؤون الاستراتيجية القريب من نتنياهو قال: «ليس ثمة أي سبب للضغط على إسرائيل، المهتمة دائماً بمصالحها القومية الرئيسية». أما «أوفير أكونيس» نائب الوزير في مكتب رئيس الحكومة فقال: «إن الإدارة الأميركية تحاول مرة أخرى ممارسة ضغوط على العنوان غير الصحيح!

نتنياهو كرّر مواقفه السابقة مستقوياًَ بما جرى من أحداث وتطورات وإطلاق صواريخ على إسرائيل، ومصادرة سفينة محمّلة بالسلاح من سوريا إلى إيران إلى غزة، مؤكداً أن الخطر لايزال يهدد إسرائيل، وهي وحدها القادرة على حماية نفسها من خلال جيشها في إشارة إلى تجديد رفض وجود قوات دولية للفصل بين إسرائيل الدولة اليهودية ودولة الشعب الفلسطيني حسب اقتراح كيري. وطالب أبومازن بالاعتراف بـ«يهودية الدولة» والكف عن أوهام إغراق إسرائيل باللاجئين الفلسطينيين- علماً أن أبومازن كان قد أعلن أمام مئات الطلاب الإسرائيليين إننا لا نريد إغراق إسرائيل باللاجئين. قالها بوضوح تام، وهذا لم يرضِ بعد نتنياهو.

باختصار أراد من زيارته تثبيت العلاقة مع أميركا، والظهور بمظهر الحريص على السلام، وأراد تأكيد وتثبيت النظرة المشتركة الأميركية – الإسرائيلية الخاصة بيهودية دولة إسرائيل والتحذير من الخطر الحقيقي الذي تمثله إيران وبالتالي الدعوة إلى تأخير توقيع الاتفاق معها حول مشروعها النووي والذهاب إلى فرض عقوبات إضافية عليها، ويبدو أنه نجح في مسألة التأخير حتى الآن، مستغلاً الموقف الإيراني في سوريا والى جانب «حزب الله» وسفينة السلاح إلى غزة.

زيارة نتنياهو ترافقت مع الحدث الأوكراني والتدخل الروسي المباشر والصدام الروسي الأميركي الذي فاجأ كثيرين بحدته. ولم ينجح اللقاء بين وزيري الخارجية لافروف وكيري في باريس أثناء وجود نتنياهو في واشنطن في إيجاد حل للأزمة الجدّية بين الدولتين الكبيرتين، بل كانت مناسبة لنتنياهو ليخاطب الروس والأميركيين والعالم بالقول: مصر تحظر حركة «حماس» وتعتبرها إرهابية، ماذا تنتظرون منا؟ كيف نطمئن على أمننا؟ مصر تحذر من دور الحركة على أرضها والحركة مع فصائل أخرى تهددنا على أرضنا، فماذا نفعل»؟

تساءل الرئيس بوتين: «كيف يحق لأميركا التدخل في أفغانستان والعراق ويعيبون علينا التدخل في أوكرانيا لحماية أمننا القومي» . ألا يحق لنا، يقول نتنياهو أن نكافح الإرهاب على أرضنا وفي محيطنا وأنتم تأتون بقواتكم من أقصى أصقــــاع الأرض تحت عنوان مكافحــــة الإرهـــاب مــــاذا تنتظرون؟ الرئيس الأميركي لا يزال يعارض إرسال أسلحة فتّاكة إلى المعارضة السورية التي تواجه نظاماً يعتبره أوباما أنه فاقد الشرعية ولا يتجاوب مع الشرعية الدولية، مبرّر أوباما هو : الخوف من وقوع السلاح في يد الإرهابيين، ألم تروا سفينة وأسلحة تتدفق إلى «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الإرهابيتين على أرضنا، فماذا نفعل؟ إننا نريد كل الضمانات ولا نثق إلا بجيشنا! ولا نزال نرى خطراً إيرانياً واستخداماً لسوريا و«حزب الله» والجهاد وفصائل كثيرة في وجهنا. فلا تضغطوا علينا!

وكأن ذلك لا يكفي ، لنرى الانقسامات العربية وجدول الأولويات المتناقض المختلف بين العرب وتصدّع البيت العربي الواسع وغرفه المتنوعة وآخر مشهد ما رأيناه في مجلس التعاون الخليجي مؤخراً.

فسيستغل نتنياهو هذا الوضع ليمارس سياسة الابتزاز، ويريد ثمن كل شيء من إيران إلى سوريا. والثمن من أميركا والعرب وكل العالم. لقد نجح حتى الآن في هذه السياسة، فهل من موقف أو قوة تعيق اندفاعاته أم أننا سنرى تصعيداً كبيراً ضد الفلسطينيين في الأيام المقبلة ومزيداً من الاستيطان واستغلالاً للأزمات الدولية والإقليمية لتحقيق أهدافه ؟؟

في ظل الوضع العربي والإسلامي الحالي سيأخذ نتنياهو ما يريده بالتقسيط.. إنه زمن رديء.