خطة «كيري» وإسرائيل

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيق خرق ما في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية للوصول إلى اتفاق إطار، تمددّ على أساسه فترة التفاوض للانتقال إلى المرحلة النهائية. يبدي أركان الإدارة حرصاً على الاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية المواكبة للمفاوضات ولما تحقق حتى الآن، مؤكدين التمسك بأمن إسرائيل وتوفير كل الضمانات لها.

أوباما قال في خطاب «حالة الاتحاد»: «إن الدبلوماسية الأميركية تدعم الإسرائيليين والفلسطينيين في الوقت الذي يطلقون فيه محادثات صعبة، ولكنها ضرورية لإنهاء النزاع هناك، لإنجاز الكرامة ودولة مستقلة للفلسطينيين، وسلام دائم وأمن لدولة إسرائيل، دولة يهودية تعرف أن أميركا ستكون دوماً إلى جانبها». واضح هنا التأكيد على يهودية الدولة الإسرائيلية ، والتي باتت أمراً ثابتاً في الموقف الأميركي وفي كل الخطط والمبادرات التي قدمت حتى الآن للفلسطينيين. مبعوث الإدارة الأميركية للمفاوضات «مارتن إنديك» قال خلال لقاء مع قادة يهود منذ أيام وفي محاولة لتطمينهم واستباق زيارة وزير الخارجية «كيري» المرتقبة إلى إسرائيل إن بنود اتفاق الإطار تتضمن:

1 – إسرائيل دولة للشعب اليهودي. مع ما يعني ذلك من انعكاس على العرب وحقوقهم الموجودين داخل هذه الدولة، وعلى الرؤية الإستراتيجية للفلسطينيين وحقهم في أرضهم التي اغتصبها الآخرون.

2 – فلسطين، دولة للشعب الفلسطيني. ولكن أي فلسطين وأي حدود؟ العنوان حدود الـ 67 لكن الأمر ليس محسوماً حتى الآن.

3 – ترتيبات أمنية مفصلة في غور الأردن. سياج جديد، مجساّت وطائرات من دون طياّر، وهذا الأمر لا يمكن بتّه إلا بموافقة الأردن الذي يشهد وضعه الداخلي نقاشاً حاداً حول المفاوضات، وما يمكن أن تتركه من انعكاس على الوضع الداخلي لاسيما في ظل اقتراح منح جنسيات لأبناء الأمهات الأردنيات واستنفار رجال الحرس القديم في البلاد رافضين الأمر معتبرين أنه يؤدي إلى التوطين وصولاً إلى الحديث عن تغييرات واستعدادات لمرحلة جديدة ستؤدي إلى دور أساسي للمتحدرين من أصل فلسطيني. وقد عقدت اجتماعات مكثفة في الأردن شارك فيها رموز وقيادات أردنية لعبت أدواراً بارزة في مراحل مختلفة، تمحورت كلها حول التحذير من المساس بالمصالح العليا للأردن في هذه المرحلة بالذات.

4 – تعويض اللاجئين الفلسطينيين. إذاً ليس ثمة حق عودة. وبالتالي سيبقى الفلسطينيون حيث هم أو يعاد توزيعهم.

5 – تعويض اللاجئين اليهود. وهذا المصطلح الجديد الذي تم اختراعه منذ مدة وتناولناه في أكثر من مقالة، وحسب الإحصاءات الإسرائيلية فإن عدد هؤلاء يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي وكما ذكرنا أكثر من مرة سيكون لإسرائيل في ذمتنا مال وسنكون أمام مرحلة استنزاف كبيرة وابتزاز خطير تمارسه إسرائيل علينا كعرب من هذا الباب.

6 – المستوطنات: 80% من المستوطنين يبقون تحت السيادة الإسرائيلية ويمكن للباقين أن يكونوا تحت السيادة الفلسطينية، هذا الأمر لم يحسم لأنه أثار عاصفة من المواقف داخل إسرائيل، بل داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها. وزير الاقتصاد «نفتالي بينت» قال : «هذا الاقتراح ليس أخلاقياً وهو يضع علامة استفهام على وجودنا في تل أبيب. من يؤمن به فاقد للقيم. بعد 2000 عام من الحنين وانتظار العودة إلى أرض إسرائيل، لن نعيش تحت حكم «أبومازن»، هذا مناف للعقل». ووجه كلامه إلى نتنياهو ثم اعتذر بعد تهديد رئيس الوزراء له بطرده من الحكومة.

وزير الطاقة «سيلفان شالوم» قال : «إن أحداً لايعتقد بوجود إمكانية لبقاء مستوطنين داخل حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية».

نائب وزير الدفاع الإسرائيلي قال: «لا أتمنى لألّد أعدائي أن يعيش تحت حكم الفلسطينيين، لا يمكن توفير الأمن لمواطنينا من دون الجيش». «أوفير أكونيس» نائب وزير في مكتب الحكومة قال : «الفكرة خيالية وفيها الكثير من الهذيان. هي وهم. لا يمكن ترك مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين تحت رحمة من ارتكبوا عملية الفتك في رام الله»

«تسيبي حوطوبيلي» نائبة وزير المواصلات: «الفكرة خطيرة وليست أخلاقية».

ردّ مكتب نتنياهو على كل ذلك بالقول: «طرحت الفكرة لإحراج جماعة السلطة. هم يرفضون نتهمهم بالعرقلة» ! لكن هذا الأمر يعني عودة البحث بتبادل الأراضي، وبالتالي تعديل حدود إلى 67 كما كان قد طرحه «جورج ميتشل» سابقاً.

7 – القدس، ثمة ضبابية حولها. موضوع معقدّ. ويقع هنا تناقض. تسريبات سابقة تحدثت عن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، مقابل فكرة إسرائيلية تقول : اختاروا مكاناً آخر سموه القدس، وما شئتم واعتبروه عاصمة للدولة الفلسطينية!

وأشار «إنديك» إلى المصاريف العالية التي يتطلبها اتفاق السلام، داعياً الدول الكبرى المعنية إلى التدخل لدعم الاقتصاد الفلسطيني وإعادة توزيع اللاجئين في فلسطين الجديدة.

في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد منذ أيام، التقى ممثلو الاتحاد الأوروبي، وأميركا وروسيا والأمم المتحدة ورئيس اللجنة الرباعية لمفاوضات السلام توني بلير لمناقشة خطة كيري، الذي دعا إسرائيل إلى اتخاذ خطوات للوصول إلــــى اتفاق الإطــــار وقال : «أمن إسرائيل الحالي مؤقت ويتبدّد إذا فشلت المفاوضات. هناك معركة متصاعدة لنزع الشرعية عن إسرائيل. وثمة من يتحدث عن المقاطعة»، مؤكداً «اتخاذ كل الإجراءات التي تضمن مصالحنا الإستراتيجية».

«إليوت إبرامز» أحد رموز إدارة بوش الابن السابقة قال : «كيري دخل في هذا الموضوع منذ البداية بهدف التوصل إلى اتفاق الوضع النهائي. الأمر مستحيل. قد يكون لديه أرنب في قبعته (ساخراً) ، لكن أشك في ذلك».

دبلوماسي أوروبي مواكب لسير المفاوضات قال لي منذ أيام: «نحن أمام فرصة. وعلى الإسرائيليين التقاطها. تعرفون أننا ملتزمون بأمنها ومصالحها، ونحن في الأساس ضد الإرهاب الذي تحذّر إسرائيل من خطره وتمدّده. وقدمنا لها كل الضمانات، ولكن لا نستطيع تجاهل حق الشعب الفلسطيني. ثمة مقاطعة من قبل شركات أوروبية كبرى للاقتصاد الإسرائيلي والمشكلة تكبر. أميركا تبذل جهوداً صادقة. وتطلعنا على كل شيء. وأعداء إسرائيل في مأزق. السلطة الفلسطينية تريد الاتفاق ولكن ليس أي اتفاق. تريد اتفاقاً يمكنها تسويقه أمام شعبها. «حماس» مأزومة في الداخل والخارج نظراً للمتغيرات التي يعيشها الوضع العربي من سوريا وخروجها منها إلى اهتزاز علاقتها بإيران و«حزب الله»، إلى غرق هذا الأخير في الحرب السورية وانفتاح إيران على الغرب وإعطائها الأولوية للاتفاق النووي والمحافظة على دورها في سوريا، مروراً بمصر وما تقوم به في مواجهة الإرهاب في سيناء وبالتحديد الإرهاب الفلسطيني.

«حماس» مأزومة بأنفاقها التي تدمّر وبإنفاقها المالي. العرب مشغولون إما بدولهم في الداخل أو بالأزمة السورية أو بالمواجهة مع إيران التي بات يعتبرها بعضهم العدو الأول. وهذا البعض تتلاقى مصالحه موضوعياً مع إسرائيل. لم يعد ثمة قوة عربية تهدد إسرائيل. الوقت ملائم للوصول إلى اتفاق. ونحن وروسيا وأميركا ضامنون. الاتفاق يوفّر الأمن والاستمرار والاستقرار لإسرائيل، يحررها من خطر نزع الشرعية عنها الذي ينمو في أوروبا، ويعطي الفلسطينيين حقهم» !

سمعت شيئاً من هذه العناوين من أصدقاء زاروا العاصمة الأميركية والتقوا مسؤولين سياسيين وأمنيين. هل يقنع هذا المنطق إسرائيل؟ هل تكتفي بما يقدّم لها؟ هل تتخلى عن أحلامها التوسعية الكبرى؟

ثمة من يقول: ما دام المحيط لا يقلقها، فلماذا تقدم تنازلات وهي خبيرة في الابتزاز وكسب الوقت؟

في كل الحالات وأمام كل الإجابات والاحتمالات، مقبلــــون على أيام صعبة في فلسطين.