إحذر: انتحاري في الاوتوبيس!

محمود الاحمدية

جاء في سورة (المائدة: 32): “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جمعياً”

للمرة الأولى يشعر كل لبناني وكأنّ الشعور بالموت وصل إلى بيته، يعيش بين جدرانه، يتلمّس مسامّه! من عادتي وهواياتي التي تأخذني ولو لدقائق الى عالم فقدناه منذ زمن… متابعة الدوري الانكليزي في كرة القدم، حيث للحياة مكان وللانغماس في سحر الهواية مكان، ونسيان العالم كله في لحظات فيها نشوة الشعور بالانتصار مكان، تفاجأت بالخبر التالي: انفجار فان على الطريق الرئيسي في الشويفات وهناك ترجيحات بأن وراء الانفجار انتحاري!! الخبر في اسفل الشاشة! مفارقة غريبة بين عالم ساحر حرّ يتنسم عبير الحرية والحياة، وعالم يعيش تحت نار كابوس التفجير… تركت المباراة وبدأت التلفونات تصلني: الحمد لله على سلامتكم! شو بتقربك أمل الأحمديه، هي أحد الجرحى في الفان المفجّر! ومنطقة الشويفات قريبة منا… وكأني أصبت بدوار: اخوتي من ايطاليا أصدقاء من سان فرنسيسكو، أهل في اوستراليا، أحباب في لبنان وآخرون كثيرون وانقلب بيتنا من ركن هادىء سعيد إلى مستنقع ألم وعذاب، وعرفنا أن الجريحة آمال الأحمديه من الأقارب الأعزاء والحمدلله أصابتها طفيفة والسائق والحمدلله خلّص تحت العملية في مستشفى كمال جنبلاط في الشويفات.

هنا انتهت الأحداث ولكن الذي علق في ذهني كمواطن وكمراقب متواضع، الاسقاطات التي وقع فيها المسؤولون والحكومة قبل وبعد تصريف الأعمال! السؤال الأول الذي سيضجّ في ضمير كلّ لبناني: كيف المصير وصلنا إلى درجة من قلّة الثقة والخشية من الصعود إلى مطلق أيّ فان أو سيارة إجرة ؟ ما هو شعور كلّ الذين يملكون الفانات والسيارات والاوتوبيسات؟ وما هو شعور الطبقة الفقيرة التي كان من سوء حظّها أن جنسيّتها لبنانيّة والتي تستعمل يوميا” الفان أو السيارة؟ رجل انتحاريّ يفجّر نفسه هذه لغة (عرقنة) بامتياز! أين منها السيارات التي يقودها انتحاريّون!

يا أخي بعيداً عن اتهام أحد وبعيداً عن تقريب موضوع التفجير من أحد ولنا ملىء الثقة والعاطفة على كل نازح أتى من أرض سوريا الشقيقة، ولكن أين هي الضوابط التي على ضوئها استقبلنا أهلنا وأحبابنا السوريين المظلومين النازحين من نار جهنم البطش السوري؟ أين هي المخيمات التي ترعاهم كما قامت به الاردن وتركيا؟ وعندما نقول انتحاري فجر نفسه في قلب الفان هذه لغة جهنمية مدمرة أين منها السيارات المفخخة؟؟ وعودة إلى الضمير والسؤال الذي لا يلقى جواباً إلا عبر طاولة حوار صريحة علنية أمام الشعب لكل المسؤولين وفورية ولوضع حدّ لانهيار وطن!! مَنْ المستفيد يا عالم، يا جهابذة ،يا شعب غير العدو الاسرائيلي؟؟ وليد جنبلاط أعلنها صريحة واضحة قاطعة بمقالته الأخيرة: لا تعليق!! الوطن يغرق والدلع ماشي! يا عمي وزارة زيادة وزارة ناقصة وزارة مدهنة وزارة فارغة آخرهمّ عند الناس! ومن يكون ومن حصة من؟ آخر همّ عند الناس؟؟ من اي دين الوزير الفلاني من أي مذهب؟ آخر همّ عند الناس ! المهم يكون آدمي، آدمي… لم يغمس يده بدم الشعب، لم يأكل خبزهم وقوتهم، فهم الذين جاؤوا به وأوصلوه، وهو خادمهم وليس العكس! أصبح الناس سجناء بيوتهم بعد حادثة الفان والموديل الجديد للتفجير، رجل يتحزم بحزام ناسف ويفجر نفسه بين مجموعة أبرياء!! والله من الحرام ألاّ يصرخ الشعب كله صوتاً واحداً: نريد رجال دولة… نريد رجال دولة يقودون المركب إلى شاطىء الأمان… الناس اشتاقت لذوي الهمم المتفوقين على الزمان والمكان، العابرين للطوائف، المعتدلين، الأقوياء في نفوسهم لا الضعفاء لقيادة المركب قبل الغرق! لا حل مهما تدلّع المتدلّعون ومهما كابر المكابرون ومهما جهل الجاهلون إلا بوزارة جامعة تنقذ الوطن من الغرق… والله حرام الوقوف عند وزارة معينة والتتييس عندها فكأنه نيرون يرى المدينة تحترق وهو يضحك، وهكذا مواقف الذين يفهمون في طوائفهم بريئون من ذلك: والمنتصرفي هكذا معارك خسران لأنه سيرى المركب وقد أصبحت اشلاء وهو وزير على اشلاء!!

ونقول للمفجّرين قد ينجو الشرّير من عقاب القانون ولكنّه لن ينجو من عقاب الضمير… وفي داخل كلّ منا محكمة عادلة تبقى أحكامها يقظة في نفوسنا، هي الضمير ونقول للمسؤولين: ثلاثة أشياء قد تخدّر الضمير: المال والسلطة والشهوة! والحمدلله هذه السيبة الثلاثية تكبّل أكثريتهم والساحقة…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة