إيران: عقوبات وعقبات

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

غابت إيران عن جنيف، فأطلت من دافوس، الغياب عن جنيف له أثره على سير أعمال المؤتمر ونتائجه. والحضور في دافوس له أثره على سير أعمال المنتدى ونتائجه.

قبل الاتفاق النووي مع الغرب استوعبت صدمات وضربات، كان الهم الوصول إلى الاتفاق. فجّرت السفارة الإيرانية في بيروت قبل أيام من الاتفاق، تصرفت ببرودة أعصاب وهدوء. وقـع الاتفاق، ذهبت إلى خطاب انفتاحي من الرئيس روحاني ووزير خارجيته. الكل يريد علاقات جيدة مع العالم، ليس ثمة صداقات دائمة أو عداوات دائمة. نحن الآن في مرحلة جديدة. ونريد أفضل العلاقات مع الجوار وبالتحديد مع المملكة العربية السعودية التي هي مركز أساسي في المنطقة. ونعّول على التعاون معها.

كانت زيارات لدول عربية في جوار المملكة، وزيارات من هذه الدول إلى طهران. وسريعاً انفتحت قنوات الاتصال العلنية بعد أن كانت سرية بين طهران وعواصم غربية كثيرة. بدأ الحديث عن صدقية الالتزام بالاتفاق في 20-1-2014.

لم تُدعَ إيران إلى «جنيف 2»، ثم دُعيت، وبعد ذلك سُحبت الدعوة. لم يتغير الخطاب، لم يكن انفعالاً. كان تعليقاً وموقفاً: «ستندم الدول التي عملت على سحب الدعوة. ومع ذلك لا نرى حلاً إلا الحل السياسي للأزمة السورية».

وزير الخارجية الإيراني زار بيروت، التقى قيادات وفاعليات سياسية كثيرة. وتضمن الخطاب عبارات منها: «نريد استقراراً في لبنان وتعاوناً بين أبنائه ونشجع على الخطوات في هذا الاتجاه».

لم تشارك إيران في «جنيف 2» رسمياً، لكنها كانت حاضرة من خلال الدور الروسي خاصة. أعلنت التزامها قبل يومين من المؤتمر بتطبيق الاتفاق مع مجموعة الـ 5 1 بشأن ملفها النووي. تأكد المعنيون من ذلك، وأشادوا بخطوات التعاون، وذهبوا إلى رفع تدريجي للعقوبات، وهذا هدف مهم بالنسبة إلى إيران.

لم تتوتر طهران، لم تتصرف بانفعال أو ردود أفعال، المهم تنفيذ الاتفاق والبدء برفع العقوبات، رفـــع العقوبات يرفع العقبات، ويفتح الأبواب لتحسين الاقتصاد، وتطوير الأوضاع الداخلية وتوسيع دائرة العلاقات الخارجية والتعاون المالي والاقتصادي.

أعلن الرئيس روحاني الاستعداد للمشاركة في منتدى دافوس الاقتصادي، وبدأت التحضيرات، وفتحت قنوات الاتصال «نريدها مناسبة لإطلالات سياسية انفتاحية على العالم، وللتأسيس لشراكات اقتصادية ومالية مع مؤسسات وشركات عالمية ورجال أعمال يتطلعون إلى الاستثمار بعد رفع العقوبات. شركات الطيران، تجار النفط والغاز والذهب، شركات السيارات وغيرها». هذا ما قاله مسؤولون إيرانيون كانوا يحضّرون لزيارة الرئيس روحاني إلى دافوس.

وبالفعل، أطل روحاني من على هذا المنبر، وكانت له لقاءات واسعة مع رجال أعمال أميركيين وأوروبيين وعرب، معلناً سعيه لجذب استثمارات، خصوصاً في صناعة السيارات والنفط والغاز والبتروكيماويات والطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية والتعدين، ومع الرؤساء التنفيذيين لشركات «إيني» و«بي، بي» و«توتال» و«رويال داتش شل». أبلغ الجميع بأن «مجالات الاستثمار في إيران متوافرة في كل القطاعات الاقتصادية. وسنضع بحلول سبتمبر المقبل نموذجاً استثمارياً جديداً وجذاباً لعقود النفط»، سعياً لتشجيع الجميع على العودة إلى إيران. وأكد أن «لا عقبات جديدة يمكن أن تعرقل تسوية الملف النووي. اتفاق جنيف هو بداية لإبرام اتفاق نهائي، ومساهم في تأمين قاعدة مشتركة للتوصل إلى اتفاقات أكثر أهمية مستقبلاً».

وكرر روحاني القول «إن من أولويات حكومته التعامل البناء مع العالم، استناداً إلى الاعتدال والتدبير اللذين يعتبران من الخصال البارزة للإيرانيين وكان سر نجاحهم على مر التاريخ». وأكد «أن العلاقات الأميركية – الإيرانية دخلت مرحلة جديدة»، وأن «تطبيعاً للعلاقات مع أوروبا قد حصل» لأن «العولمة أثبتت في صورة الأزمة الاقتصادية العالمية أننا كلنا ركاب سفينة واحدة، وإذا لم نختر ربابنة حكماء، فإن الإعصار سيضرنا جميعاً».

الزيارة وما رافقها هي اندفاعة إيرانية نحو العالم، خصوصاً نحو الغرب. وتأكيد على الانفتاح. والهدف الأساسي تأكيد الالتزام بالاتفاق النووي لأن «إيران لم ترغب في امتلاك قنبلة نووية ولا حتى مستقبلاً. لا مكان للسلاح النووي في استراتيجيتنا الأمنية»، كما قال روحاني: «ليلتزم الآخرون برفع العقوبات. ومع بداية رفع العقوبات ترفع العقبات أمام الاستثمار في إيران وأمام استثمارات إيران في الخارج. وسوف تبادر إيران فوراً إلى الاستثمار في مواقع كثيرة، مع العقوبات لم يكن لبنان قادراً مثلاً- على سبيل المثال لا الحصر- على قبول استثمارات إيرانية ولو بشكل قروض ميسرة أو هبات أحياناً، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي».

ولكن ماذا لو بادرت إيران غداً على سبيل المثال إلى التقدم باقتراحات عملية لمساعدة لبنان؟ جيشاً ومؤسسات وقدمت استثمارات في مجالات الكهرباء والمياه وغيرها؟ سنكون أمام واقع جديد.

لكل هذه الأسباب ينبغي الاستعداد لتعاطٍ من نوع مختلف مع إيران في المرحلة المقبلة، هي دولة لديها إمكانات وخيارات، وتغيرت كثيراً، ولم تعد كما كانت، خسرت أوراقاً ومواقع، اضطرت إلى الاتفاق مع الغرب، لكنها اليوم تستعد للاستفادة مما حققته من خلال الاتفاق. وقد تستفيد أكثر إذا استمر المناوئون لها بالرفض والاعتراض والضغط لعدم تطوير العلاقات معها، أو حضورها جنيف 2 السوري مثلاً، ولن يتمكنوا من تجاوز دورها دون تقديم أفكار ومبادرات، والتقدم خطوات مدروسة لمعالجة مشاكل المنطقة.