يعالون:أخطر نظرية عنصرية

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

انفجرت بين وزير الدبلوماسية الأميركية جون كيري ووزير الإرهاب الإسرائيلي موشي يعالون. والمسألة كما يقال ليست «رمانة» بل «قلوب مليئة». لم يعد الإسرائيلي يحتمل الدور الأميركي. كان يمكن الرهان على ذلك، والتفاؤل نسبياً لو أن الأميركي قدم أفكاراً ومواقف وطروحات تساهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتوصل إلى تفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن المشكلة، أن الأميركي يطرح حلولاً توافق بالكامل الجانب الإسرائيلي، وتضمن له كل مطالبه بل أكثر، وهو لا يقبل،إنما يريد المزيد المزيد، وكأن ليس ثمة طرف آخر في التفاوض وهو الفلسطيني صاحب الحق في الأساس. وعلى كل حال فإن يعالون نفسه قد قال «إن المفاوضات لا تدور بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إنما بين إسرائيل والأميركيين». و أضاف: «إن الرئيس الفلسطيني أبومازن حي موجود بفضل حرابنا، وفي اللحظة التي نغادر فيها يهودا والسامرة (الضفة الغربية) فإنه منته. الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا هو أن ينال كيري جائزة نوبل ويدعنا وشأننا».

التصريحات هذه أثارت الخارجية الأميركية والبيت الأبيض الذي دعا رئيس الحكومة نتنياهو إلى توضيح موقفه ورفض ما أعلنه يعالون لأنه أهان أميركا من خلال الهجمة على كيري. يعالون كان قد قال أيضاً:«إن أبومازن ليس شريكاً للتسوية» «وأنا الجوزة المنيعة على الكسر » «وأقف في وجه الأميركيين بقوة. وما عرض علينا في خطة كيري لا يساوي الورق الذي كتب عليه.ليس في الخطة أمن وليس فيها سلام. فقط استمرار وجودنا في يهودا والسامرة وعلى نهر الأردن سيضمن ألا يصبح مطار بن جوريون ونتانيا أهدافاً ومرامي لهجمات الصواريخ من كل صوب. إن وزير خارجية أميركا وصل إلينا مصمماً ويعمل انطلاقاً من الهوس غير المفهوم وبإحساس مسيحاني لا يمكنه أن يعلمنا شيئاً عن المـــواجهة مع الفلسطينيين».

وتساءل «يعالون» :«عمـا تتحدثون؟ عرضتم علينا خطة تقوم على أساس تكنولوجيات متطورة، أقمار اصطناعية، مجسات، غرف حربية مع شاشات تلفزة من دون وجود على الأرض لقواتنا، وأنا أسألكم كيف ستجيب التكنولوجيا على ما سيحصل إذا حاولت خلية من السلفيين أو الجهاد الإسلامي تنفيذ عملية إرهابية ضد أهداف في إسرائيل؟ من دون اعتراف بالدولة القومية اليهودية لا يوجد أي معنى للأقمار الاصطناعية والمجسات. طفل ابن خمس سنوات مع حزام ناسف سيواصل محاولة المس بنا حين يكبر»!

طبعاً، كلام «يعالون» واضح جداً، الهدف الأساس هو انتزاع اعتراف من الفلسطينيين بالدولة اليهودية أولاً. ثم تكرُ سِبحةُ الشروط الأخرى. ماذا عن شروط الفلسطينيين؟ بل ماذا عن حقوقهم؟ وهي الأهم في كل ما يجري. لأن السبب هو الاحتلال والباقي هو نتائج. وبالتالي لابد من معالجة السبب. ماذا سيعطى الفلسطينيون؟ هل سيعترف بحقوقهم وبالمبادئ التي على أساسها انطلقت المفاوضات من الأساس وخصوصاً في المرحلة الأخيرة بجهود كيري؟

الحركة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركية واضحة وملموسة. يريد مع رئيسه تحقيق خرق وتقدم ما. نحن نأمل في الوصول إلى شيء من هذا القبيل يأخذ بعين الاعتبار مصالح وحقوق الفلسطينيين، لكن ما تقدم به الأميركيون حتى الآن لا يشير إلى ذلك، ولا يزال ضغطهم على الطرف الفلسطيني قوياً، وليس ثمة ضمانات له. ومع ذلك وقع الخلاف وانفجرت بين كيري ويعالون. لو أن الأميركي كان أكثر موضوعية وإقداماً وجدية وحرصاً على الحل، لكان يمكن الرهان على الخلاف. ومع ذلك أقول لابد من الاستفادة منه لتحميل الإسرائيلي مجدداً المسؤولية وتحميل الأميركي مسؤولية ردعه وتجاوزه وإبقاء مسار التفاوض قائماً على أساس النية في الوصول إلى اتفاق يعطي الفلسطينيين حقهم ! لكن الأمور لا توحي بذلك. ورغم اعتذار يعالون، والتفاف نتنياهو على الموضوع، فإن اللوبي المؤيد لإسرائيل في أميركا يقوم بدور ضاغط في اتجاه استيعاب ما جرى لمصلحة الإسرائيلي وإعطائه كل الضمانات لأمنه الاستراتيجي، وفي هذا الإطار، يقول «يوفال شتاينتيز» الوزير المكلف بالعلاقات الدولية: «الأمن يجب أن يبقى بين أيدينا. الذين يقدمون اقتراحات تستند إلى إرسال قوات دولية وشرطة فلسطينية ووسائل تقنية متطورة لا يفهمون شيئاً في الشرق الأوسط»!

أما يعالون فقد ذهب أبعد من ذلك بكثير ليقول: «حيث لا يوجد يهود لا يوجد أمن»! إنها أخطر نظرية عنصرية حاقدة تظهر علينا هذه الأيام.

طبعاً هم يريدون الاستفادة مما يجري في العام العربي ومن محاولة حشد تحالفات وقوى ضد الإرهاب والتطرف، ليبرروا كل ما يقومون به ويقولونه، وكأنهم ليسوا إرهابيين أو متطرفين أو محتلين. لكن هذا الكلام تجاوز كل الحدود لأنه يصنف كل من هم من غير اليهود غير مؤتمنين ومتهمين، أو غير قادرين على توفير الأمن!

في مثل هذه الحالة ومع مثل هذه المواقف والنظريات والسياسات كيف يمكن الوصول إلى تسوية وتفاهمات حول هذه القضية؟

إسرائيل كانت ولا تزال تمارس سياسة الابتزاز وقد سميتها «المنشار» الذي يريد أكل كل شيء في كل اتجاه. هذه سياسة معروفة، يعتقد المفاوض الإسرائيلي أن الظرف الحالي عربياً وإقليمياً قد يتيح له تحقيق مكاسب أكثر ويفرض شروطه على الفلسطينيين، لكن المشكلة الأكبر هي في ما عبر عنه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه عندما قال: «إن اتفاق الإطار المقترح علينا يقوم على: الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل. وبقاء السيطرة الإسرائيلية على الحدود والمعابر. وبقاء الاستيطان والسيطرة الإسرائيلية على الأجواء والاتصالات وغيرها. يعني دولة فلسطينية بلا معابر أو حدود أو عاصمة. وهذا يعني إلغاء رؤيتنا التاريخية وتبني الرؤية التاريخية الإسرائيلية عن دولة لا نعرف حتى حدودها».

مقبلون على أشهر ستحمل تطورات خطيرة على المستوى الفلسطيني. وللأسف ونحن نسمع مثل هذه النظرية الاستعلائية من يعالون عن الأمن واليهود، ومثل هذه الطروحات والشروط على الفلسطينيين، نرى الفلسطينيين مهددين بالموت جوعاً أو تحت وابل البراميل المتفجرة التي ترمى فوق رؤوسهم من أسلحة وقوى أعدت أصلاً لمواجهة إسرائيل كما يقولون! ألا يفيد هذا المشهد مع حفلات «الإرهاب» الإسرائيلي ليفجر أحقاده ضد الجميع؟