عالم ظالم والأطفال يموتون من البرد

محمود الاحمدية

منذ عدة أيام وعندما بلغت العاصفة أشدّها، شاهد العالم أجمع منظراً يفتت الصخر… أمٌّ تضمّ طفلها ذات الشهور التسعة وفي قلب الصقيع والزمهرير وفي وهج الثلج المجلد، وكانت المفاجأة عندما غلبها النعاس نامت وفاقت على حقيقة مرعبة: الطفل الذي كانت تضمّه ُ الى صدرها حتى تمنحه الدفىْ أصبح جثة هامدة باردة مثل الثلج خارج الخيمة… هي أغرب من قصص الأفلام والأساطير اللا إنسانية… هو طفل مات من أصل عشرة أطفال خلال أسبوع واحد… من الأخوة النازحين السوريين…
الشيء المؤسف أن يتم هذا المشهد الدرامي أمام أعين العالم الذي يقال عنه متحضر ولكنه شيطان أخرس لا تهمه الحقيقة بقدر ما تهمه مصالحه…
وأستمرت العاصفة ثلاثة أيام جارفة الخيام والأشياء والناس وكان صقيع كانون سيد الموقف والعالم كلّه يتفرج…

لقد مرّ على لبنان حروب كثيرة وأصبح اللبنانيّ صاحب مناعة في تحمل هذه المصائب وفي رؤيتها ولكن هول المناظر التي تأتينا من داخل سوريا ومن خارجها يجعلنا عاجزين عن وصف ما يقع فالناس وخاصة الأطفال إن لم يموتوا من البرد فسيموتون من القصف والتنكيل وكلّ أساليب القهر والتعسف… والمسرحية التي بدأت منذ ثلاث سنوات أصبحت مكشوفة أمام القاصي والداني، ممنوع على أحد الطرفين الإنتصار ونيران المعركة تزداد والعدو الإسرائيلي يفرك يديه فرحاً جذلاناً ولا يصدق ما يراه، هو حلم وتحقق… وهذا ليس من باب تسطيح الأمور والكل يعلم ما هي اللعبة الدولية وبالذات دور الغرب وروسيا والصين وإيران وإسرائيل وتركيا… الدمار يسكن كلّ المساحات والحرب أكلت الأخضر واليابس وكأن مئات ألوف القتلى والجرحى ليست كافية حتى يتحكم العقل بالتصرف…

منظر الأم التي فقدت طفلها في قلب الصقيع والبرد يختصر عذاب شعب بأكمله.

ولكن الذي يحز في النفس أن عشرة أطفال ماتوا من البرد والصقيع، وآلاف غيرهم ماتوا من القصف وشتّى أنواع العذاب ، السؤال الأساسي من الذي يردع القتل عنهم ومن الذي يسحب يد الظلم عن رقابهم ؟؟

هناك إتفاقية دولية لحقوق الطفل وفقاً لمبادىء واضحة وقاطعة وصريحة هي من صلب الإتفاقية والصادرة من أكبر صرح عالمي الأمم المتحدة … فألف باء الحياة أنّه يحق للطفل أن ينعم بالحرية والعدالة والسلام .

في المادة 36 من الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل جاء: “على الدول الأعضاء أن تحمي الطفل من جميع أشكال الأخطار الضارة بأي جانب من جوانب حياته”

في المادة 47 جاء: ” تصدق هذه الإتفاقية الدولية وتودع صكوك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة “… وعندما يتواقحون فيقولون أنّ كلّ (المجتمع الدولي) و (منظمة العفو الدولية) و (الإتحاد الأوروبي) و (مجلس الأمن) وكلهم ملزمون بحماية هؤلاء النازحين بشكل عام والأطفال بشكل خاص، أين هم كلّ هؤلاء وكأنك في صحراء قاحلة والقلوب قاسية والضمير ميت والكل شهود زور على مذبحة إنسانية يومية وما لم تحققه يد الإنسان تكمل عليه الطبيعة وما تتركه الطبيعة من مآسي وآلام ينأى الجميع عن تحمل مسؤولياتهم إتجاهها، من المضحك المبكي أن سياسة اللا منطق هي السائدة حتى ببعدها الكوني، لقد جعل اليهود من الهولوكوست حائط مبكى أبدي جعل الغرب يعاني عقدة الذنب الوهمية من خلال تضخيم عدد الضحايا اليهود بأضعاف مضاعفة ،هذا الغرب لا يزال ينزف مالاً ودماً والى الأبد من خلال هذه العقدة التي حيكت بكل خبث وكذب ورياء… أمّا أن يموت مئات الألوف من السوريين أمام أنظار العالم أجمع بشتى أنواع الوسائل (السوبر وحشية) فهذه مسألة فيها وجهة نظر.

لقد قام ذات يوم زعيم إسمه جمال عبد الناصر الذي جعل من العرب أمة يخافها العالم أجمع وبالرغم من هزيمة ال 67 لم يتزحزح وقار الأمة وناصر وضع مداميك حرب 73 قبل رحيله… فأين لنا بناصر آخر يحمي شعبه وكرامة شعبه، في الصقيع ماتوا وغداً بالقصف سيموتون وبالجوع سيموتون ويبقى أن نتساءل: كم هو ساذج وسخيف وغير مقنع بل سمج بكل معنى الكلمة عندما يقولون لك إستنكرت فرنسا أو إستنكرت بريطانيا وندّدت جمعية الأمم المتحدة ودرس مجلس الأمن الوضع عن كثب.

الحقيقة سوداء حزينة وباردة كصقيع كانون ورياحه الهوجاء … الحقيقة يختصرها موت طفل من البرد في أحضان أمه والعالم كلّ العالم يتفرج بدم بارد.

موت الطفل عبد الله المأساوي في أحضان أمه ومشهد أطفال الكيماوي بدون أي ردة فعل عربية وعالمية هو موت أمّة بأكملها.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة