سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

احمد حسان

تحوز مؤسسة الجيش اللبناني على ثقة الاكثرية الساحقة من اللبنانيين، وعلى مختلف توجهاتهم، فهي بالنسبة لهم خشبة الخلاص التي يتكأون عليها عندما يهتز الإستقرار وتهب رياح العواصف الامنية الهوجاء على البلاد. وما يعزز من مكانة الجيش لدى اللبنانيين، هو أنه أصبح المؤسسة الوطنية، الوحيدة تقريباً، التي لم تزل تحافظ على الطابع الوطني لتحركاتها وتصديها للعابثين بأمن الوطن، وإنها تضم بين صفوفها نخبة من أبناء المواطنين اللبنانيين الذين لا لون لهم سوى لون العلم اللبناني الذي يتغطون به في وطن نهائي لا ينتمون إلى سواه.

ليس من الصدف بشيء أن يشعر كل مواطن لبناني بأن شهيد الجيش الذي يسقط على مذبح الوطن والواجب، هو شهيد لبنان، وليس من الصدف بشيء أن يعتبر كل لبناني شريف بأن التعدي على الجيش هو بمثابة التعدي على كرامة كل بيت في الوطن، وهذا ما يُحمل المؤسسة مسؤولية وطنية كبيرة ويعرضها لإمتحان خطير أمام ثقة الناس بها.

ولعل أول بوادر هذا الإمتحان هو قدرة الجيش على المبادرة إلى الوقوف بوجه الإنفلات الامني والعمل على تثبيت الإستقرار، وحماية الوطن والمواطنين من الرعاع والإرهابيين والتكفيريين وتجار السلاح والطائفية والمذهبية، وعليه أن يخوض معركة الشرف هذه باسم جميع اللبنانيين ودون إنتظار الغطاء لتحركاته من قبل أصحاب النفوذ السياسي والمالي والطائفي والفئوي، وهم الذين لم يتورعوا عن نهب خيرات الوطن وتهديد إستقراره وتوازنه الهش، نتيجة مراهناتهم وألاعيبهم السلطوية غير المسؤولة والتي تهدد بقاء الوطن وديمومته. وعندها فقط سنرى ويرى الجيش كيف سيتهافت هؤلاء لكسب ود المؤسسة العسكرية وطلب شرعية غطائها.

لا شك أن معظم اللبنانيين يرفضون حكم العسكر لكي لا تلوث أهدافهم وغاياتهم الوطنية بمستنقعات السلطة وإغوائاتها، ولكن اصبح لديهم شغفاً عارماً بأن يعطى الجيش الوطني فرصة حماية حدود الوطن وامنه واستقراره، والقيام بواجبه في تجنيبهم مشقة القلق ومخاطر التصدي بجهودهم الذاتية لأطماع واعتداءات عدو غاشم، أو مواجهة إجرام عصابات إرهابية تزرع الخوف والموت والدمار بين صفوفهم، وأن يروا الجيش قوة وطنية جامعة تهاب جانبها كل القوى والميليشيات والتجمعات والعصابات المسلحة والمأجورة. خاصة أن هذا الجيش يمتلك حصرياً سلاحاً هو أقوى واشد وأفعل من كل سلاح الباقين، فهو يتسلح بسلاح شرعية أجمع عليها اللبنانيون، وباحتضان شعب عانى ويعاني كل صنوف الألم والخوف والإرهاب والتشرد والتهجير، بشعب يتوق إلى الامن والامان والحرية والعيش بكرامة ضمن حدود آمنة وفي ظل حكم القانون والمؤسسات والقضاء العادل، في وطن يحترم الحقوق ويقدس مبادىء العدالة والمساواة بين المواطنين. وهذا الشعب بإجماعه كفيل بأن يحمي جيشه من كل ما يهدد وحدته وتضامنه وسعيه الدائم نحو تحقيق أهدافه الوطنية، وهو طالما كان يحلم بجيش مرهوب الجانب وعلى قدر كبير من المسؤولية الوطنية، كما يعرفه وكما يريد له أن يكون.

لقد سئمنا إسطوانات الدعم الكلامي للجيش من قبل الطارئين على العمل السياسي وأصحاب المصالح الخاصة، والذين لا يتورعون عن المساومة على مصير الوطن وجعله صندوقة بريد مفتوحة، وساحة صراع لقوى إقليمية ودولية لا هم لها سوى تأمين مصالحها وحماية مشاريعهاوتعزيز نفوذها.

إننا نعتقد مؤمنين بأن خلاص لبنان وتجنيبه الحرائق المتنقلة من حوله لن يكون إلا بتضافر قواه الحية في المجتمع المدني والقوى العمالية والنقابية الديمقراطية، ومؤسساته الوطنية العامة والخاصة، وبجيشه الوطني الذي إتخذ لنفسه شعاراً “تضحية شرف ووفاء” وأقسم بشرفه وبالله العظيم على أن يقوم بواجبه كاملاً (حفاظاً على علم بلادي وذوداً عن وطني لبنان).

هذا ما نريده من جيشنا الوطني، وهو أن يكون نخبة من النخب الوطنية التي قصدها أحد كبارنا في قوله عنها “نريد نخبة تستطيع أن تقول للأجيال الطالعة: قمت بواجبي”.

——————————————

(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة