قبل أن يصبح لبنان وطناً عجوزاً

محمود الاحمدية

الغنى في الغربة وطنٌ، والفقر في الوطن غربة (الإمام علي بن أبي طالب)

في دراسة علمية إحصائية دقيقة قام بها قسم الدراسات في جامعة القديس يوسف اليسوعية، عن هجرة الشباب اللبناني النازفة بشكل غير مسبوق… اثبتت الدراسة، الحقائق الدامغة والمرعبة بنفس الوقت وبالأرقام، كإ حصائية لا تقبل الشك: أنّه منذ عشرين عاماً وبطريقة سنوية المعدل الوسطي لهجرة الشباب بين 30000 و 35000 شاب وشابة، جُلَّهُمْ من الجامعيين والمثقفين والأدمغة، وأعمارها بأكثريتها الساحقة تتراوح بين 20 سنة و 35 سنة…

وأثبتت الإحصائيات أنّ 47 % من عدد سكان لبنان يقع ما بين 20 و 35 سنة…

ممّا يخلق الواقع المأساوي الغريب في النقص العددي للشباب الذكور والحقيقة الساطعة لكل 100 فتاة مهيأة للزواج هناك 80 شاباً مهيأً للزواج ممّا يعني نوعاً من الإنقلاب على الواقع الديمغرافي السابق وهذا الخلل يترجم عملياً وعلى الأرض بآلاف القصص والمآسي وبمئات المشاكل الإجتماعية وفقدان التوازن ، ممّا يجعل الأرض اللبنانية خصبة أمام المآسي الإجتماعية اليومية وعشنا العمر كلّه ولم نسمع ما سمعناه في السنوات الآخيرة من حوادث أقل ما يقال فيها أنّها خالية من تقاليدنا وعاداتنا اللبنانية السمحة والمعطاء… وجاء في الإحصاء نفسه وهذا هو الشيء الذي يترك للمخيلة ألف سؤال وسؤال عن هجرة الأدمغة: إنّ قسماً كبيراً من الذين هاجروا الى الخليج قديماً كانت هجرتهم خيراً وبركة وسلاماً ورافداً إقتصادياً فاعلاً للبنان، ولكن هذه السنوات أصبح أكثر الذين يهاجرون الى الخليج يمكثون فيه حوالي العشر سنوات ومن ثمّ ينتقلون بما جنوه من إمكانيات مادية الى بلاد الغربة الأخرى والإحصائية أثبتت أنّ أهم ثلاثة بلدان تستقبل هذه الأدمغة والإمكانيات اللبنانية في الخليج هي وبتراتبية واقعية: كندا، الولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا .

وطرحت إحصائية الجامعية اليسوعية السؤال التالي : ما هي الأسباب الرئيسية لهذه الهجرة كان الجواب وهو البديهي: الإنهيار السياسي والأمني والإقتصادي الذي يشهده لبنان وخلال هاتين السنتين جاءنا عامل جديد لا حدود له بالبعد الفوضوي إذا لم ينظم جيداً وهو الأخوة النازحون السوريون ومنافسة بعضهم للشباب اللبناني حتى في لقمة عيشه واكتساحهم لأعمال محصورة قانوناً باللبناني والفوضى في هذا الملف وتلكوُ الدول في دعم لبنان لإستيعاب ما يقارب فوق المليون سوري زاد الطين بلّة وتفاقم الوضع بالبعد المعيشي وأصبح الوقوف أمام السفارات حلم للببنانيين وأصبحت الفيزا من جديد خشبة الخلاص…

وإنطلاقاً من كلّ ما سبق وذكرته في مقالتي والإنهيارات الحالية والآتية وعلى كل صعيد ومن خلال هذا الملف الذي يشهد نزوحاً كثيفاً ومرعباً للأدمغة الى الخارج ، على من سنطرح النداء: سارعوا في معالجة هذا الملف الذي يرتبط سياسياً وإجتماعياً بالحلول السياسية على مستوى الوطن.

والمأساة الكبرى أن القوى الماسكة بكلّ المفاصل على الأرض أقوى من الدولة والأنكى بما لا يقاس أنك عندما تطلب من الدولة الحلول كأنّك تغني في وادٍ سحيق فلا جواب لأنّ قوى الأمر الواقع هي الماسكة بكلّ المفاصل وهل الحلول تجدها عندها ؟؟

والمأساوي أكثر فأكثر أنّ الذي تطلب منه قوى الأمر الواقع الأقوى من الدولة أن يجد حلاً للمشاكل، أنت تعرف مسبقاً أنّه لا يجد حلاً بل يدير هذه المشاكل حتى تتفاقم وتكبر وتتعملق .

آخيراً مشهد هوليوودي دراماتيكي بامتياز للوطن وخاصة للحدود وتابعوا من فضلكم معي وبإيجاز:

-في المطار وفي المرفأ شباب وأدمغة لبنانية تهاجر ونزيف دامٍ يدمر الجسد .

– على الحدود السورية اللبنانية ألوف مؤلفة من الأخوة النازحين السوريين والجسم اللبناني (لبيس) يحلون في كلّ الديار وذلك بإتجاه واحد هو لبنان من ناحية ثانية مئات من المجلببين بالسلاح يغادرون لبنان الى سوريا ويأتون ويسرحون ويمرحون وكأننا بلد سائب فالت لا حدود له وأصبحنا أضحوكة الدول ومكان لسخريتهم عندما يتحدث وفي أروقة الأمم المتحدة عندما يحكى عن نموذج الحدود السائبة والفوضى، لبنان والحمد لله يأتي في المقدمة ومن هنا مطلق التفكير في حكومة قوية قادرة يعني تسكير الحدود، وهذا شبه مستحيل بالبعد السياسي الحالي طالما أنّ اللبنانيين يقاتلون في سوريا وعلى رأسهم حزب الله والبديل الوحيد الفوضى التي تشكل غطاءً لكل الإختراقات والتجاوزات اليومية للحدود .

صدق المثل الإنكليزي القائل : الجائع لا يمكن أن يكون مخلصاً لوطنه .

ألوف مؤلفة من الأدمغة هاجرت وتركت البلد قاعاً صفصافاً .

لبنان وطني أصبحت عجوزاً.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة