عودة «اللبننة»!
سمير عطاالله (الشرق الاوسط)
18 ديسمبر 2013
لكن في غضون ذلك كان قد شاع مصطلح من عندنا، هو «اللبننة». بعده لم تعد الظواهر البشعة تصدر إلا من هنا، كـ«الصوملة» مثلا. وقد تفتت الصومال على أيدي عصابات محلية تفتك بالمساكين والفقراء وتزيد الأرض اليباب قحطا. ثم بدأت مآسي العراق فألغت ما سبق من مصطلحات. عشرات الآلاف من البشر يقضون في تفجيرات عمياء، والفساد ينخر الدولة، ورئيسها يسمي المسرح الدموي المستديم «دولة القانون».
لم نعرف إلى ماذا تنتهي الأوضاع في سوريا حتى الآن، لذلك لم تتحول مآسيها إلى مصطلح بعد، ربما يلغي كل مصطلح آخر. لكن الانفجارات التي تهز لبنان منذ الصيف توحي، حتى الآن، بـ«العرقنة». أي الكائن الذي يقتل نفسه ويقتل كل من صدف من حوله، لأنه يريد توصيل رسالة سياسية فيما عمال البريد مضربون.
يجمع بين «العرقنة» و«الصوملة» و«اللبننة»، الهمجية التي لا حدود لها. يموت عشرات آلاف الأبرياء باسم الله والإيمان. يتخذ كل فريق جانبه من الجنة فيحرق جانب سواه من الأرض. يستعيد الشرق حروب الغرب الطائفية في القرون الوسطى، متميزا عنها باستخدام التطور التكنولوجي. يفيد الناس من الوسائل الحديثة لتعميم سبل العلاج ونشر الدواء وتحسين إنتاج الأغذية، ونفيد منها في نشر الموت والدمار والخراب وثقافة القتل والإبادة.
يعاني مليون نازح سوري في لبنان من أوبئة لم تعد معروفة في أمكنة أخرى من العالم، كالجدري والملاريا والتيفوئيد. إنها أمراض الفقر والمجاعة. وتقاتل جبهة الممانعة في سبيل فلسطين بتجويع فلسطينيي مخيم اليرموك. وما بين «اللبننة» و«العرقنة» و«الصوملة» و«السورنة» لم يبقِ أهل المنطقة على مصطلح يوحي بالرداءة والخراب إلا واستهلكوه واحتكروه وأنسوا العالم ما عداه.
لا يليق بنا شيء. إليكم ماذا حل بمصر بدل 25 يناير (كانون الثاني)، وماذا حل في ليبيا بدل 17 فبراير (شباط)، وماذا حل بتونس بعد، لست أذكر ماذا. شعوب لا تحاور بعضها إلا بالقنابل والموت. ولا يعني لها شريكها التاريخي فوق الأرض وتحت السماء سوى أن عليه أن يموت، ولو مات فقاتِله معه.