عيد الاستقلال… لبنان 1943-2013 بين الاستقلال والواقع

70 عاما عاشها لبنان من عمره الاستقلالي في ظل صرعات اقليمية وحروب اهلية ونزاعات طائفية ما زالت قائمة الى يومنا هذا. لم يعرف اللبنانيون خلالها استقلالهم الحقيقي والمرجو ..

فبعد الحرب العالمية الأولى وخروج العثمانيين من لبنان وباقي المنطقة العربية . دخلت فرنسا الى لبنان واصبح تحت الأنتداب الفرنسي..

في ايلول من العام 1920 اعلن المفوض السامي لدولة الأنتداب الفرنسي الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير على ان تكون بيروت عاصمة لها .وتمثل العام بدمج علمي فرنسا ولبنان معا وضعت ولاية بيروت مع اقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع اقضيته الأربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا) فإتسعت مساحته من 3500 كلم مربع الى 10452 كلم مربع وازداد سكانه من 414 الف نسمة الى 628 الف نسمة . وفي العام 1926 اقر مجلس الممثلين الدستور واعلن قيام الجمهورية اللبنانية لينتخب بعدها شارل دباس كأول رئيس للبنان .

رفض المسلمون “دولة لبنان الكبير”وطالبوا الانضمام الى “الدولة العربية” برئاسة الأمير فيصل. غير ان عددا من اللبنانيين امثال رياض الصلح وبشارة الخوري، وفي الفترة ما بين 1930 – 1943 انتجوا صيغة عرفت فيما بعد بالميثاق الوطني اللبناني.

ومع بداية الحرب العالمية الثانية، ازداد الوضع سوءا امام الفيشيين وقلت امداداتهم العسكرية و وتقلص اهتمام هتلر بجبهة الشرق الأوسط. اضطر الفيشيون ان يقبلوا بشروط الحلفاء والاستسلام في 8 تموز 1941 حيث جرت مفاوضات بين الجانبين “الانكليز والفيشيين” في عكا انتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة التي قضت بإنسحاب الفيشيين من لبنان وسوريا.

بعد ذلك تسلم الفرنسيون السلطة في لبنان وسوريا وتولى الجنرال كاترو سلطة المفوض بصفة مندوب عام لفرنسا الحرة. كان الجنرال كاترو قد وعد اللبنانيين بالاستقلال في بيانه المؤرخ في 8 حزيران 1941 قبل بدء الحملة العسكرية. الا ان اللبنانيين على مختلف طوائفهم احتجوا على هذا النوع من الاستقلال واعتبروه مزيفا لأن الدستور ما زال معلقا والفرنسيون هم الذين عينوا رئيس الجمهورية الفرد نقاش واحتفظوا لأنفسهم بحق التدخل في شؤون لبنان الداخلية. وعملوا على ربط البلاد بمعاهدة شبيهة بمعاهدة 1936. لهذا الأمر كان الاجتماع الوطني الكبير الذي عقد في بكركي في 25 كانون الأول 1941 برعاية البطريرك انطوان عريضة وبحضور ممثلين من مختلف الطوائف والمناطق، وكان الشيخ بشارة الخوري (زعيم الكتلة الدستورية) ورياض الصلح (زعيم بارز في الحركة الوطنية) في طليعة المحتجين على استقلال كاترو المزيف، وطالب المحتجون بإستقلال لبنان التام وعودة الحياة الدستورية اليه واجراء انتخابات نيابية حرة وتشكيل حكومة وطنية صحيحة، مما ادى الى انتخاب بشارة الخوري رئيسا للجمهورية في 21 ايلول 1943 وتأليف حكومة برئاسة رياض الصلح ضمت: كميل شمعون، حبيب ابو شهلا، عادل عسيران، مجيد ارسلان وسليم تقلا. واعلن الأستقلال التام.

عمدت الحكومة الجديدة الى اعتماد اتفاق غير مكتوب بين المسيحيين والمسلمين يعبر عن صيغة عيش مشترك بين اللبنانيين ضمن لبنان الحر المستقل. ووثق هذا الميثاق في خطاب بشارة الخوري في البيان الوزاري الذي القاه رياض الصلح امام النواب وتضمن البيان التالي.

– لبنان جمهورية مستقلة ترفض الحماية الأجنبية أو الأنضمام الى اية دولة عربية.

– لبنان وطن لجميع اللبنانيين على تعدد طوائفهم ومعتقداتهم وهو جزء من العالم العربي.

– لبنان وطن الحريات العامة يتمتع بها اللبنانيون على اساس المساواة.

-يتخلى المسلمون عن المطالبة بالوحدة أو الاتحاد مع الشرق العربي. وفي المقابل، يتخلى المسيحيون عن المطالبة بالحماية من الغرب الأجنبي.

وحول مشروع تحويل الدستور الى المجلس النيابي، مما اعتبر تحديا للجنرال كاترو وأمر بإعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء والزعماء الوطنيين واحتجازهم في قلعة راشيا. فقام رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة ومعه الأمير مجيد ارسلان وبعض النواب بعقد اجتماع في بشامون وشكلوا حكومة مؤقتة ورفعوا العلم اللبناني المكون من ثلاث اقسام الأحمر في الأعلى والأسفل والأبيض في الوسط حيث تتوسط الأرزة الخضراء واعلن الأستقلال في 22 تشرين الثاني 1943 واطلق المعتقلون وتم الاعتراف به في 1 كانون الثاني1944 وتم جلاء القوات الفرنسية في 31 كانون الأول 1946 وفي العام 1947 انتسب لبنان الى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة، ليصبح هذا اليوم عيدا وطنيا ليعيش بعدها لبنان فترة من الهدوء عرف خلالها الحرية والسيادة .

الاستقلال الثاني .. 1989 – 2005 .

شهد لبنان استقلالا من نوع آخر ..

وفاق وطني .. حكومة وحدة وطنية … عيش مشترك.

بعد اتفاق الطائف 1989 الذي وضع حدا للحرب الأهلية في لبنان والتي ادت فيما بعد الى تسمية رفيق الحريري رئيسا للحكومة، شكل على اثرها اولى حكومات الوحدة الوطنية في العام 1992 والتي حظيت بثقة الأغلبية النيابية وتأييد الشعب اللبناني الذي عبر عن ارتياحه لوجود الرئيس الحريري في تلك الظروف الصعبة من عمر اللبنانيين الذين شعروا مع بداية مهامها بمرحلة جديدة من حركة البناء والاعمار غير الاعتيادية التي لم يشهد لبنان مثيﻻ لها من قبل.

شهد لبنان في عهد الرئيس الحريري انتعاشا انمائيا كبيرا ونموا اقتصاديا ملحوظا. استعاد على اثره كل المؤسسات الحكومية والادارية واعيد توحيد المؤسسة العسكرية والمرافق الحيوية الهامة بدءاً من مطار بيروت الدولي والذي بات يعرف اليوم بإسم مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبناء الجسور وتعبيد الطرقات وفتح المعابر وتأهيل المستشفيات والمستوصفات والجامعات والمدارس والمنشأءات الرياضية والكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها من البنى التحتية وعلى مساحة الوطن. هي اجواء اعطت اللبنانيين الأمل بإسترجاع استقلالهم الذي كاد ان يسرق منهم في مرحلة من مراحل حياتهم. الا ان الاستقلال الذي طبع في عقول وعيون اللبنانيين بقي منقوصا بسبب استمرار الوصاية السورية التي دخلت الى لبنان في العام 1976 ضمن قوات الردع العربية للفصل بين المتصارعين اللبنانيين ولوضع حد للاقتتال فيما بينهم على اثر اندلاع الحرب الأهلية في 1975 والتي انسحبت على اثر اتفاق الجامعة العربية وتم الابقاء على القوات السورية فقط لتحل محل القوات العربية.

مثل الرئيس الحريري بالنسبة الى اللبنانيين الرؤية التي كانوا يشاركونه فيها. كانوا يدركون مثله ان بأمكانهم تحقيق احلامهم في بلدهم لبنان كما كانوا يرونه ويتمنون ان يكون عليه .

واجه الرئيس الحريري في العمل السياسي الكثير من الصعوبات في مشوار تحقيق الرؤية التي كانت تحتاج الى قرار حر ومستقبل بلد لا يكون اداة لأهداف وغايات وازمات، بل بلد يكون هدفا بحد ذاته. كانت الظروف انذاك صعبة، منها اﻻحتﻻل اﻻسرائيلي في الجنوب وكان هناك استغلال لهذا الوضع لابقاء الهيمنة على لبنان، ثم انسحبت اسرائيل . بعدها ادرك الحريري بأنه لا يمكن النهوض بهذا البلد وتحقيق الأستقلال الحقيقي في شتى المجالات من دون الأستقرار . لهذا استمرت الممانعة ضد تحقيق هذه الأهداف . الى ان استشهد من اجل هذه الرؤية فما كان من اللبنانيين الا ان قاموا بالتغيير الكبير في ربيع 2005 لأستكمالها بعد استشهاده.

عانى اللبنانيون على أثر هذا الاغتيال صعوبات كثيرة، الا انهم استطاعوا ان يحققوا انجازات عديدة تمثلت بإزالة الادارة الأمنية السورية من لبنان وانسحب الجيش السوري في نيسان 2005. ولكن استمرت الممانعة بأشكال اخرى عبر منع تطور مشروع الدولة. منعت عليهم ادارة بلدهم بعدما كانت تدار من جهات خارجية وداخلية وهم يعلمون بأن لبنان بدون حرية لن يكون لبنان.

استقلال..2013 حلم كل لبناني …

بعد خروج السوري من لبنان ومع بدء مرحلة جديدة ترك فيها اللبنانيون لمصيرهم ولتقرير خياراتهم بأنفسهم، ورغم ان هذا الشعار ظل في دائرة التمني غير المحقق .

كانت الأحداث تتلاحق بشكل كبير على الصعيد الأمني كاد ان يوصل البلاد الى ما لاتحمد عقباه، فكان اتفاق الدوحة الذي رسم بعد توتر امني وعسكري غير مسبوق خريطة طريق للمرجلة المقبلة انتج انتخاب رئيس للجمهورية والأتفاق على قانون الأنتخاب مسبقا .ثلاث حكومات خلال 5 سنوات من عمر حكم الرئيس سليمان.

شكلت حكومة العهد الأول وترأسها فؤاد السنيورة وحظيت باجماع لبناني وعربي ودولي تحت شعار “حكومة الأدارة الوطنية الجامعة” الا انها وبعد عشرة اشهر اعتبرت مستقيلة بعد اجراء الأنتخابات النيابية.

ثم تلتها حكومة “الوحدة الوطنية”برئاسة سعد الحريري والتي استقالت في ظروف معقدة لم تشهدها حكومة من قبل لجهة استقالة الثلث زائد واحد من اعضائها نتيجة ملفات عديدة ابرزها ملف شهود الزور في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.

بعدها اتت حكومة برئاسة نجيب ميقاتي بعد مخاض عسير من اقناع المعارضة الجديدة بالمشاركة. وجاءت ولادتها في ظل انقسام حاد على نسب التمثيل وتوزيع الحقائب والأسماء. ورفعت هذه الحكومة شعار “كلنا للوطن كلنا للعمل”وهي الآن حكومة مستقيلة تصرف الأعمال. الامر نفسه ينطبق على عملية تأليف حكومة الرئيس المكلف سلام والتي تحمل شعار “المصلحة الوطنية” والتي ما زالت معلقة في ظل هذا الوضع السياسي العسير محلياً واقليميا لا سيما الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان.

ان الاستقلال هذا العام يأتي في ظل اوضاع متأزمة بين الطوائف والمذاهب قد تعصف بلبنان وقد تطيح بمفهوم الاستقلال والسيادة وتكاد ان تحول لبنان الى دولة مفرغة وخارج العمل القانوني والعملي والأنتماء الوطني الذي يتغنى به كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومعتقداتهم اذ لكل منهم علمه وشعاره ومبادئه ومفهومه لﻻستقلال. فأي استقلال هو عيد الاستقلال؟ سبعون عاماً على الاستقلال ولا يزال مهمشا مسروقا يرزح تحت الاحتلال والهيمنة الداخلية التابعة للخارج بفعل ابنائه الذين اوصلوه الى هذه الأوضاع الصعبة والدامية في الداخل والخارج. وهو ما عبر عنه النائب بطرس حرب في ندوة حركة التجدد “عن الطائف والاستقلال والتعددية” حين سأل: من يحمي الاستقلال ويحصنه وهو الخارج من معركة الاستقلال الثانية؟ سؤال سيبقى برسم الاستثمار الوطني الى حين الاجابة عليه … فإن التاريخ لن يرحم من اساء الى وحدة الوطن. ولن يسكت عن المتقاعسين في اداء الواجب الوطني. لذا لا بد للبنانيين ان يكونوا على يقين بأن اعداءهم من كل صوب واهدافهم مختلفة. الا ان اللبنانيين هم من يدفعون الأثمان وفاتورة هذا الواقع الذي لا يفرق بين مسيحي ومسلم وبين سني وشيعي …

(*) ليال البيطار