تفجير الجناح… لبنان ساحة لتبادل الرسائل

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

قبل ساعات من انعقاد الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران ومجموعة الـ 5+1 لبحث الاتفاق حول الملف النووي – الإيراني في جنيف، وبعد ساعات من وصول الوفد السوري الرسمي إلى موسكو للقاء وزير الخارجية سيرجي لافروف والبحث في التحضيرات لانعقاد مؤتمر جنيف- 2، وبالتزامن مع وصول وزير خارجية طهران محمد جواد ظريف إلى روما للقاء وزيرة خارجيتها ثم الانتقال إلى جنيف، ومع إعلان وزير الخارجية الأميركي جون تأجيل زيارته إلى إسرائيل التي كانت مرتقبة يوم الجمعة، وتأكيده أن موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الاتفاق مع إيران بأنه خطأ تاريخي، هو خطأ، ومع ارتفاع وتيرة الغضب الإسرائيلي من الاتفاق والدور الأميركي، والتأكيد على ضرورة تعديله ليكون أكثر تشدداً في وجه إيران والدعوة إلى فرض مزيد من العقوبات عليها، والتي أثبتت جدواها على ما يبدو، وقبل وصول نتنياهو بساعات إلى العاصمة الروسية للقاء الرئيس بوتين وبحث هذا الموضوع، بعد استقباله الرئيس الفرنسي في القدس والتأكيد على التفاهم معه على رفض مشروع الاتفاق المزمع توقيعه مع إيران، وعلى وقع المعارك الدائرة في سوريا والتقدم الذي أحرزه جيش النظام خصوصاً في مدينة قارة، والاستعدادات الجارية لمعركة القلمون، وخصوصية هذه المعركة، والربط بينها وبين ما يجري وما يمكن أن يجري في لبنان، والاتهامات الموجهة إلى “حزب الله” ومن ورائه إيران بالمشاركة في هذه الحرب، في هذا التوقيت وقع انفجار الجناح، مستهدفاً السفارة الإيرانية في ضاحية العاصمة اللبنانية بيروت.

كان الانفجار مرعباً، لم يحقق هدفه في تدمير السفارة الإيرانية لكنه حقق الهدف السياسي من جهة وألحق خسائر فادحة بالأبرياء وممتلكاتهم، وأضاف عنصر تهديد كبيراً للاستقرار الداخلي في البلاد من جهة أخرى.

سارع كثيرون إلى اتهام “دول عربية بخلفية إسرائيلية” بالوقوف وراء التفجير. ألمح بعضهم وأفصح وأوضح بعضهم الآخر، وجاء كلام وزير الإعلام السوري بارزاً في هذا السياق. وما يجري في سوريا، وبما ينعكس علينا من تفجيرات وتوترات وتهديدات واتهامات ومشاريع تفجير في طرابلس والشمال وعرسال وبالاستعدادات للقلمون وبالخطاب السياسي التصعيدي الداخلي والإعلان من أكثر من جهة ومرجعية ومركز قرار أساسي في لبنان أن أبواب الحل داخلياً موصدة، ولا بدّ من حركة خارجية ما، وليس ثمة في الخارج من يعطي لبنان الأولوية منذ زمن طويل، يأتي كما لو كان ينقصنا مثل هذا التفجير لنتأكد أن الأولوية هي للتفجير في لبنان، لجعل لبنان ساحة مجدداً لتبادل الرسائل بين الأمم والدول الإقليمية والقوى المتصارعة، ليدفع اللبنانيون ثمناً كبيراً من أمنهم وحياة أبنائهم وسلامة اقتصادهم واستقرارهم.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال: “هذا التفجير جرس إنذار لنا جميعاً”، والرئيس حسن روحاني اتهم إسرائيل مباشرة، ودعا إلى اليقظة والوحدة. والعين الإيرانية على جنيف. على الاتفاق النووي، على الاتفاق مع أميركا. لا يريد الإيرانيون تخريب ما تم إنجازه، هذه فرصة حقيقية بالنسبة إليهم وهم متأكدون من القناعة بهذه الفرصة أيضاً من قبل الروس والأميركيين. ويدركون أن ثمة جهات كثيرة تريد الإطاحة بالاتفاق. ولذلك، ليس الوقت الآن للتسرّع والتهوّر، المهم أن نصل إلى ما نريد ثم نقرر ما سنفعله. وزير الخارجية الأميركي جون كيري دان التفجير الدنيء، والبيت الأبيض أصدر بياناً استنكر فيه هذا العمل، كذلك فعل الأمين العام للأمم المتحدة. أما رئيس الحكومة البريطانية كاميرون الذي أعاد العلاقات الدبلوماسية مع طهران منذ أيام وعلى مستوى القائمين بالأعمال، فقد اتصل مباشرة بروحاني وقدّم له التعازي بالضحايا مستنكراً التفجير.

في موسكو أعلنت وزارة الخارجية “أن ما حدث دليل آخر على ضرورة وضع حد أمام الذين يحاولون، عن طريق مسلسل الهجمات الدموية في لبنان وسوريا والعراق وغيرها من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زرع الفتنة الطائفية التي تشكل خطراً على الإقليم وشعوبه”! ولمزيد من الوضوح وبعد استقبال وزير الخارجية الروسي للوفد السوري الرسمي قال: “ليس الوقت الآن وقت الحديث عن تنحي الأنظمة. إنه وقت مواجهة الإرهاب”. ودعا “المعارضة والنظام إلى التعاون في مواجهة الإرهاب دون انتظار جنيف 2 فهذا أفضل”!

إلى ماذا تؤشر هذه الوقائع؟ أولاً إلى العجز الداخلي في لبنان. والخطر المحدق بالبلد وبكل أبنائه وفئاته، أي جناح يستهدف في البلد لا يعني أن الجناح الآخر سيكون بخير. الإصابة في جناح ستؤذي الجناح الآخر. قوة الجناحين قوة للبنان كله، ولا يستطيع جناح أن يصيب جناح التوازن معه للتحرك معاً. ولا يستطيع جناح أن يكسر جناحاً، لقد أضعنا الوقت وأضعنا الفرص، ونحن نتفرج على بلدنا ينحدر نحو الهاوية، نحو الفتنة والفوضى. فوضى القتل والسيارات المفخخة، وفوضى قصر التفكير وخطر التكفير وفوضى الحقد والجهل، وفوضى الساحة المفتوحة لكل من يريد ممارسة عقيدته وقناعاته وخبراته التفجيرية بنا جميعاً. وهذا يستلزم صحوة الحد الأدنى من الضمير والأخلاق والالتزام الحقيقي، سواء بمضمون الرسالات الدينية، التي تقرّ مثل هذه الأعمال أو العقائد السياسية التي وجدت من أجل الإنسان وحريته وسلامته لا من أجل قهره وقتله.

أما الحديث عن الإرهاب، ففي كلام “لافروف” تأكيد على ما ورد في بيان قمة الثماني التي عقدت في منتصف يونيو الماضي والتي صدرت فيها دعوة جماعية للنظام والمعارضة للتعاون معاً لمواجهة الإرهاب. وفي الوقائع تأكيد لما كتبته في مايو الماضي أن جنيف 2، وغيرها لن تكون لحسم المعركة ضد النظام ولتنحي الأسد فهذه لها حسابات أخرى بين الكبار، إنما ستكون لضبط المتطرفين ومنع “الإرهابيين” من السيطرة والتمدد هنا وهنالك.

اليوم يتأكد أكثر فأكثر هذا التوجّه، فالتفاهم الروسي- الأميركي حول النووي الإيراني قائم، وحول الملف السوري ثابت. ولم يعد ثمة إمكانية لخطأ في الحسابات، أو لسوء تقدير وسوء تدبير أو لأحقاد ومصالح معينة تتحكم في تسيير الأمور في سوريا ولبنان والمنطقة. مجدداً: هل ثمة من يريد أن يقرأ ويسمع ويفهم ويتعلّم؟ أما سنبقى هكذا حتى تنكسر كل الأجنحة، ولا نكتفي بتفجير جناح واحد في بيروت؟