قبل الفتنة والفوضى… قراءة جديدة للوقائع

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

جنيف – 2 لن يعقد، المعارضة رفضت المشاركة قبل الحصول على ضمانات بشأن مصير الأسد، أي بالتأكيد على عدم وجود أي دور له في المرحلة الانتقالية. وبالتالي في المرحلة المقبلة، وفي ظل إصرارها على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات بما فيها بالتأكيد الإشراف على المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، النظام سيرفض. يشعر أنه ارتاح أكثر، أن المعارضة تتقاتل فما بينها. إن رعاتها مختلفون فيما بينهم ومعزولون، وأنه يحقق تقدماً على الأرض، وأن “محوره” قد ربح هذه الجولة من الحرب كي لا نقول ربح الحرب.

جنيف – 2 لن يعقد، فهل يعني ذلك أن المعارضة فرضت شروطها وربحت؟ بالتأكيد لا، التعطيل أمر سهل. ليس إنجازاً بحد ذاته. ما دامت العملية تحتاج إلى فريقين، فأي فريق يرفض يعطل العملية. لا مجال للحديث هنا إذاً عن ربح للمعارضة لأنها برفضها المشاركة منعت انعقاد جنيف – 2، وهو لو عقد في هذه الظروف لكان اعتبر انتصاراً للنظام كما يقولون! السؤال: ماذا بعد التعطيل؟

 

الجواب بكل بساطة: استمرار الحرب بشراسة وقوة أكبر. يعني استمرار الخراب والدمار والانقسام، سيحاول تحميل المعارضة المسؤولية، وسيشن حرباً عليها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً وأمنياً على الأرض. والحرب لا تفيد أحداً في النهاية ما دامت سوريا كلها تدمّر. وإذا كان النظام يعتبر أنه في موقفه الحالي يثبت قدرة على استمالة القوى الدولية لمواجهة الإرهاب وهو العنوان الجاذب اليوم، فإنه في النهاية سيكون أداة في هذه العملية. وإذا كانت المعارضة تعتبر إنها كسبت الوقت فهي لا تستطيع أن تستثمر هذا الوقت، لأنها لا تملك الرؤية الموحدة ولا البرنامج ولا الدعم الكافي لذلك في ظل موازين القوى الإقليمية والدولية.

ليس أمراً عادياً أن ترفض السعودية، وأن يقول الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي لا جنيف – 2 من دون المعارضة، صحيح أن السعودية لم تستقبل الإبراهيمي ولديها موقف منه ومن الجهة التي انتدبته وبشكل خاص من أميركا ومواقفها وسياساتها. لكن هل يمكن الاكتفاء بهذا الموقف. ربما من الناحية الأخلاقية والسياسية والمبدئية والإنسانية والقانونية إذا جاز التعبير هذا الموقف صحيح. ولكن كيف يمكن استثماره واقعياً على الأرض؟ هل يكفي اتخاذ هذا الموقف لتحسين الشروط وتعزيز وضع المعارضة، وكل موازين القوى لمصلحة التوازن بينها وبين النظام أو لمصلحتها بالكامل؟ لا.

أميركا رغم زيارة وزير خارجيتها إلى السعودية لتأكيد الرغبة في التعاون معها، فإنها لن تغير سياستها وحساباتها ومساراتها التي بدأتها لا سيما مع طهران. أميركا ستبقى مع الحل السياسي، وهذا الحل هو الهدف المشترك مع روسيا. وأميركا وروسيا اتفقتا عليه وعلى استبعاد أي عمل عسكري وأكدتا بطريقة دبلوماسية استثنائية وواضحة أن لا أحد يتمسك بالأسد ونظامه، لكن هذا الأمر مربوط بنتائج المفاوضات. مرة جديدة أكرر المعادلة لمن لا يريد أن يقرأ ويفهم ويقرّ إذا قرأ بمضامين قراءته وهي أن واشنطن تعتبر أن “بدء العملية السلمية ليس مشروطاً بتنحي الأسد”، وأن موسكو تعتبر “أن انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد”. يعني في النتيجة يرحل الأسد ولكن متى وكيف؟ هذا الأمر مرتبط بنتيجة المفاوضات بين الطرفين، وهي مفاوضات تتعلق بملفات كثيرة وكبيرة ومعقدة. وعندما يصل الطرفان إلى اتفاق، يصبح كل شيء واضحاً وممكناً تماماً كما حصل في الاتفاق على السلاح الكيماوي السوري!

اليوم لا أحد يتحدث عن إخراج الأسد. وأميركا لن تتخلى عن تفاوضها مع طهران. ولن تتخلى عن تفاهمها مع روسيا. إذاً كيف تتعاطى فيما يخص سوريا؟

الواضح أن إيران تتصرف بارتياح بعد انطلاق حوارها مع واشنطن. وأن تركيا تتعاطى بواقعية. وهي دعت الرئيس الإيراني إلى زيارتها ، فيما السعودية أكدت أنها لم تدع روحاني. وكذلك أعلنت طهران أن ليس في برنامجه زيارة المملكة. قطر دعت روحاني، وزير خارجية إيران حط في تركيا. التقى المسؤولين الأتراك، وكان حديث مع زميله داوود أوغلو عن “أهداف إقليمية مشتركة”. وفيما يخص الحرب في سوريا كان تأكيد مشترك: “إن الحرب الطائفية أخطر من استعمال السلاح الكيميائي”! فلنعمل معاً إذاً من أجل مواجهة الإرهاب، ومنع الحرب المذهبية والطائفية، لأنها ستترك انعكاساتها على مستوى الوضع في إيران نفسها، وفي تركيا وفي كل المنطقة ولا يمكن لأحد أن يتحكّم بها، وبجدولها الزمني في كل المراحل أو أن يضمن نتائجها. وفي هذا الوقت يذهب رئيس الحكومة العراقية إلى واشنطن يلتقي كبار المسؤولين وعلى رأسهم أوباما يطلب المساعدات الاستخباراتية والعسكرية. يوافق على مطالبه، ويتم التأكيد على العمل المشترك لمواجهة “الإرهاب” وتوفير كل المقومات لذلك! وهو الشعار ذاته الذي يتحدث عنه النظام في سوريا.

والمقصود هنا بالإرهاب ليس القوى والفصائل التي تدعمها إيران، بل تلك التي تدعمها تركيا وبعضها قطر! الإرهاب هو في هذه البيئة. هذه هي القوى التي تغذيه. فلا بد من تدفيعها الثمن. المشكلة ليست في أساسها الصراع العربي – الإسرائيلي. الصراع ليس مذهبياً أو طائفياً، هذه هي العناوين التي تسوّق. المشكلة والقلق والعنف والإرهاب مصدره واحد، منبته واحد: البيئة التي تقودها الدول المذكورة أعلاه وليس غيرها! وروحاني يدعو إلى إخراج الإرهابيين من سوريا، والأسد المتعاون كيماوياً يعتبر أن بداية الحل هي في وقف تمويل هؤلاء والضغط على الدول المعنية بذلك وطردهم من سوريا! وفي الوقت ذاته تأتي إسرائيل لتضرب للمرة الخامسة مخازن أسلحة سورية في قواعد عسكرية في منطقة اللاذقية تحت ذريعة أن هذا السلاح كان سيذهب إلى “حزب الله”، وذلك للتأكيد أن السلاح الذي تتقاتلون به لا يعنينا. أما السلاح الذي يمكن أن يستهدفنا فممنوع امتلاكه… ولم يكن رد من سوريا. المطلوب مجدداً إعادة قراءة للتطورات والوقائع ومسّار الأحداث قبل أن تصبح الفتنة في كل مكان وتعمّ الفوضى كل المنطقة!

أميركا تبحث عن مصالحها، تريد الانسحاب من أفغانستان، هي بحاجة إلى روسيا وإيران. تريد محاربة إرهاب “القاعدة”. تستخدم الطائرات من دون طيار في كـل مكان – إلا في سوريا حتى الآن – وتشارك مع المالكي وغيره في هذه الحرب. ولم تعد أسيرة النفط العربي…وإسرائيل تبحث عن مصالحها أيضاً، تتوسّع، تضرب، تقتل داخل فلسطين وتحتل المزيد من الأرض وتتفرج على العرب يضعفون أنفسهم ويستضعفون بعضهم ويتقاتلون داخل دولهم وتتصارع دولهم والكل أسير في النهاية ولا رؤية ولا موقف. فبئس المصير!

—————————————————

*وزير الأشغال العامة والنقل