جنيف – 2 والمعارضة

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

حد الأسباب المعلنة لرفض المعارضة المشاركة في جنيف 2، هو دعوة الإبراهيمي إلى ضرورة إشراك إيران لأنها جزء من الحل فكان الرد عليه، “إن إيران جزء من الأزمة يبدو واضحاً أن الفصائل المسلحة في سوريا المعارضة للنظام لا تريد انعقاد مؤتمر جنيف 2 وترفض المشاركة فيه. بعضها اعتبر المشاركة خيانة، البعض الآخر رفض ولم يقل كلمة، بل استمر في القتال على الأرض، والبعض الثالث يقول، إن المؤتمر مضيعة للوقت.

الجامع بينهم هو الإصرار على إسقاط النظام، كيف؟ ومتى؟ وماذا بعده؟ لا جواب واحداً عندهم. كل يغني على ليلاه، وعلى مشروعه، وارتباطاته وتحالفاته ومصالحه، ولا أفق ولا رؤية واحدة لسوريا ما بعد النظام!

والنتيجة احتمالان: إما أن تكون الدعوة لـ “جنيف 2”. فيحضر رئيس النظام من خلال وفد رسمي وتحضر معه معارضة الداخل، معارضته كما يسميها البعض. تغيب “المعارضة” بكل فصائلها فيحملونها مسؤولية عدم التوصل إلى نتائج. يعود النظام أقوى سياسياً، أقوى معنوياً. أكثر تعاوناً مع ما يسمّى المجتمع الدولي، بعد الإشادة بتعاونه والتزامه بالقرارات الدولية في ما يخص تدمير السلاح الكيميائي.

وإذا لم تتم الدعوة إلى المؤتمر، فسيكون السبب موقف الفصائل المسلحة المختلفة، وبالتالي سيقول النظام إنه أراد تسهيل الأمور ووافق على الحضور، واستكمل كل الإجراءات الكفيلة بإنجاح المؤتمر والتجاوب مع دعوة الأمم المتحدة، وخصوصاً مع الاتفاق الأميركي- الروسي. لكن ما يسمى المعارضة رفضت وهي تتحمل المسؤولية وبالتحديد فإن المسؤول هو من يقف وراءها علماً أن الرئيس الأسد أبلغ الأخضر الإبراهيمي “أن نجاح جنيف -2 مرتبط بوقف دعم المجموعات الإرهابية والضغط على الدول الراعية لها، والتي تقوم بتسهيل دخول الإرهابيين والمرتزقة إلى الأراضي السورية وتقدّم لهم المال والسلاح ومختلف أشكال الدعم اللوجستي”. وهذا الموقف اعتبر تصعيداً وتعقيداً وتصعيباً لعقد المؤتمر!

دولياً سيقول الروس والإيرانيون ومن معهم أن حليفهم التزم، وأن لديهم حليفاً معروفاً وهم قادرون على إقناعه. أما الآخرون فهم مشتتون، غير موحدين لا تعرف من يدعم مَن؟ ولا مونة من قبل كل الحلفاء الخارجين والداعمين على فصائل الداخل، وهذا يعني عدم وجود شريك حقيقي للحل وبقاء حالة الفوضى قائمة ومفتوحة. في الحالتين، ستستمر الحرب، وستزداد شراسة، ولن يكون دعماً فاعلاً ومؤثراً وحاسماً للمعارضة، فيما سيكون النظام أكثر قوة وفاعلية ورهاناً على تفكك المعارضة وعزلة من يدعمها وتأكيداً على قدرته على حسم الأمور. والواضح الآن أن لعبته تكمن في تشديد الحصار على المناطق “المستعصية” في وجهه غير آبه ببعض الأصوات التي تطالبه بفك الحصار وتأمين وصول المساعدات الغذائية للمحاصرين. وسيستمر في القصف والتدمير المبرمج والعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من الخلافات القائمة في الداخل بين “الجيش الحر” أو ما تبقّى منه والفصائل الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها “داعش”، وبين الأخيرة وفصائل إسلامية أخرى، وبين الأكراد وفصائل متعددة، وسيحاول النظام استثمار ما يتعرض له المسيحيون، وإقحام أبناء طائفة الموحدين الدروز في المعركة أكثر إلى جانبه، استناداً إلى ما يتعرضون له في بعض المناطق من مضايقات، واستغلالاً لتفجيرات طاولت بعض مناطق تواجدهم تطرح علامات استفهام كثيرة حول الجهات التي تقف وراءها من قوات نظامية أو قوات معارضة!

وفي الأسابيع الأخيرة تم تسريب معلومات عن اتصالات بين “الجيش الحر” والجيش النظامي، تركزت على إصدار عفو عن العناصر الذين خرجوا من صفوف الجيش النظامي مقابل استعدادات للعودة إلى صفوفه أو التعاون. النظام وافق مبدئياً لكنه ترك توقيت التنفيذ له. هو الآن يريد “استخدام” ما تبقى من الجيش الحر في مواجهة “الإرهابيين” واستمرار التصفيات ومحاولات السيطرة المتبادلة بين بعضهم في عدد من المناطق. تنتهي العملية بإضعاف كل القوى غير الإرهابية. بالقضاء على “الثورة الديمقراطية”. على روح “الربيع” الموعود، وتصبح المعادلة: الدولة ضد الإرهابيين. الدولة، نعم. هكذا تطرح المسألة. هذا الشعار يتلقفه كثيرون في الغرب والشرق الذين لا يريدون الإرهابيين عندهم. يخشون عودتهم إلى ديارهم والقيام بعمليات ضد أنظمتها. فلتستمر الحرب إذاً في سوريا، ليقتلوا هناك، وليستنزف النظام السوري في هذه العملية المفتوحة. وليستنزف معه “حزب الله”، الذي تورط في هذه الحرب. هذه العناوين تخدم الغرب وتخدم إسرائيل والخاسر في النهاية هو سوريا. واللعبة هي لعبة وقت، استثمر بشكل جيد من قبل روسيا وإيران وحلفائهما وراء النظام السوري. هم تقدموا، النظام استخدم الكيماوي وسلّمه فسلِم. استمر، فيما خصومهم تراجعوا، ضاعوا، اختلفوا مع بعضهم البعض. يتبادلون التهم، لا الائتلاف السوري يمثل كل الفصائل. ولا هذه الفصائل يجمع بينها شيء، ولا الدول التي تقف وراءهم متفقة فيما بينها. فتركيا والسعودية وقطر مثلاً تريد تغيير النظام لكن خلافات كبيرة تعصف بينها. فلا اتفاق بين السعودية وقطر ولا بين السعودية وتركيا. ودبّ الخلاف بين السعودية وأميركا بعد الحوار الأميركي- الإيراني دون التشاور مع الحليف السعودي، وروسيا وأميركا متفقتان.

وأحد الأسباب المعلنة لرفض المعارضة المشاركة في جنيف 2 ، هو دعوة الموفد الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي إلى ضرورة إشراك إيران لأنها جزء من الحل فكان الرد عليه من خصوم النظام: “إن إيران جزء من الأزمة. هي تقتل الشعب السوري، تقف إلى جانب النظام تحت سوريا. لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، وهي في موقع المحتل”! صحيح أن إيران موجودة في سوريا بشكل فاعل ومؤثر وقيادي للدفاع عن النظام بل لإدارة معركته ومعها “حزب الله” المحسوب عليها وهذا ليس جديداً. وليس سراً، لكن حملة الغرب على “الإرهابين” وعدم الإقدام على تسليح المعارضة تحت ذريعة الخوف من وصول السلاح إلى هؤلاء الإرهابيين، كانت أقوى بكثير من الموقف من مشاركة إيران و”حزب الله” في الحرب السورية إلى جانب النظام. واليوم، لن يتغير الموقف من دور إيران إلا باتجاه الحوار معها. فهي “محور الشر” و”الشيطان الأكبر” جاء لمحاورته. ما يدور من نقاشات بين الأميركيين والإيرانيين عميق جداً، ويتناول ملفات كثيرة ومنها الملف السوري.

وما يطالب به بعض المعارضة لناحية بتّ مصير بشّار قبل الحوار أو على الأقل إعلان نتائج الحوار قبل انطلاقه، بمعنى الاتفاق على الأمور الأساسية لناحية التأكيد على عدم وجود أي دور للأسد في الحل، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات للإشراف على المؤسسات والأجهزة الأمنية، والقضائية والعسكرية أمر غير وارد على الإطلاق. رغم البيان الذي صدر عن مؤتمر أصدقاء سوريا. ورغم مواقف وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي حاول استيعاب الغضب السعودي، وتمهيد الطريق لنجاح انعقاد المؤتمر والدفاع عن سياسة بلاده والقول إن الموقف من مستقبل الأسد لم يتغيّر. رغم كل ذلك فإن أميركا ستستمر في سياستها. سيتطور الحوار مع إيران، وإذا تعثر في مرحلة معينة، فإن السبب إسرائيل وليس العرب. وأميركا تقف على خاطر إسرائيل ولا ترى العرب المفككين الضعفاء أمامها، وإذا كان نجاح للحوار، فسيكون لإسرائيل الثمن الذي يرضيها. وستستمر أميركا في التعاون مع الروس، ويبقى الأسد. وله حق الترشح للرئاسة، يقاتل “الإرهابيين”، تدعمه إيران، تحميه روسيا، تشيد به المنظمة الدولية للطاقة الذرية، يشيد به الأميركيون وحلفاؤهم، وتنفتح دول غربية كثيرة عليه أمنياً، مخابراتياً، وهو يصّر اليوم على العلاقة الدبلوماسية العلنية، كما ينفتح كثيرون على إيران.

ما هو جواب المعارضة؟ ماذا لديها؟ ما هي خططها؟ هل هي واثقة من إمكانية قلب المعادلة والوقوف في وجه هذه العملية بمثل السياسة المعتمدة اليوم والتفكك الذي يصيب صفوفها؟

ليس النجاح في منع انعقاد جنيف- 2 من خلال رفض المشاركة فيه والإصرار على إسقاط الأسد ومنع إيران من المشاركة. وليس النجاح في السقوط قبل النظام أو في السقوط معه أو في السقوط بعد سقوطه. أو في استمرار سقوط سوريا في حمام الدم، وسقوط الدولة والمؤسسات، ووحدتها، وليس في ذلك شيء من الربيع أو التغيير. النجاح هو في الوصول إلى التغيير الذي يحمي سوريا ووحدتها وشعبها، وهذا يبدأ بتغيير السياسات والأساليب المعتمدة حتى الآن، انطلاقاً من إعادة النظر في تجارب الأشهر الأخيرة على الأقل.