إعادة بناء النفوذ الأمريكي في العراق من خلال الاجتماعات المتتالية

  تعتبر القمة التي انعقدت في واشنطن هذا الأسبوع بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري بمثابة الاجتماع الخامس لـ “لجنة التنسيق السياسية الدبلوماسية المشتركة”، وهي إحدى لجان التنسيق المشتركة التفاوضية السبع المكونة بموجب “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” الثنائية الموقعة في تشرين الثاني/نوفمبر 2008. وبما أن الهدف منها هو أن تصبح وسيلة من وسائل الحفاظ على الاتصال الوثيق بين واشنطن وبغداد بعد انسحاب القوات الأمريكية، سعت “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” إلى تطوير “علاقات مستمرة ومفيدة للجانبين” والتي من شأنها أن “تحمي مصالح الولايات المتحدة” في الوقت نفسه. بيد أن الاتفاقية يمكن أن تمثل أيضاً طريقة بارعة وبطيئة في إعادة بناء النفوذ الأمريكي في العراق.

إعادة النظر في “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”

أسست “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”، “اللجان التالية للتنسيق المشترك” لدفع العلاقات الثنائية إلى الأمام:

·     لجنة الشؤون السياسية والتعاون الدبلوماسي. تهدف هذه اللجنة إلى “دعم وتقوية الديمقراطية في العراق ومؤسساتها الديمقراطية” وهي كيان قوي يهدف إلى الحفاظ على انخراط الولايات المتحدة في شؤون العراق الداخلية. وتدعم اللجنة أيضاً الجهود التي تبذلها العراق لتطوير علاقات إيجابية في المنطقة، وقد التقت مرة واحدة على الأقل سنوياً منذ عام 2009 كانت آخرها عندما ترأس كل من زيباري ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي إليزابيث جونز مناقشات في بغداد في الثاني من أيلول/سبتمبر 2012. ومن بين القضايا الأكثر شيوعاً التي تعالجها هذه اللجنة هي دعم الولايات المتحدة للانتخابات العراقية، وبنود الفصل السابع للأمم المتحدة، والعلاقات مع الكويت وسوريا، وقضايا اللاجئين.

·     لجنة التعاون الأمني والدفاعي. تهدف هذه اللجنة إلى تعزيز علاقات دفاعية أوثق عبر طرق واضحة المعالم في المقام الأول مثل مبيعات الأسلحة والتدريب والمناورات. ومن المرجح أن يكون قد تم التعامل مع مسائل مكافحة الإرهاب والمساعدات الاستخباراتية وراء أبواب مغلقة من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية بموجب الباب 50 من القانون الأمريكي (مقابل الصلاحيات الممنوحة بموجب الباب 22 المشتركة بين وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين). وعقدت اللجنة اجتماعات عدة مرات من بينها قمتان ترأسهما وزير الدفاع الأمريكي العام الماضي.

·     لجنة التعاون في مجال الطاقة. تهدف هذه اللجنة إلى تقوية الاقتصاد العراقي وقطاع الطاقة وخدمة المصالح الاقتصادية الأمريكية وذلك عبر ضمان كون العراق على قدر المستوى في ظل إمكانياتها كأكبر مَصْدَر للنفط الجديد في السوق العالمي خلال العقدين القادمين. ومما يدعو إلى الدهشة، أن اللجنة اجتمعت للمرة الأولى في 23 نيسان/أبريل 2012 ولم تجتمع رسمياً منذ ذلك الحين. ومع ذلك، شهد التعاون الثنائي في مجال الطاقة تقدماً مطرداً بعيداً عن الأنظار من خلال تغطية مسائل مثل حماية البنية التحتية الحساسة وتنويع البنية التحتية الهيدروكربونية (النفط والغاز).

·     لجنة إنفاذ القانون والتعاون القضائي. تهدف هذه اللجنة إلى تطوير نظام العدالة الجنائية والشرطة وقدرات مكافحة الفساد في العراق. وعلى الرغم من الانخفاض الشديد في الجهود المبذولة لتدريب الشرطة نظراً لوجود نقص في التمويل ووجود قيود أمنية، تستمر اللجنة في تقديم الدعم للمشاريع القضائية والتي آخرها الاجتماع الذي عقد مؤخراً في بغداد في الرابع من حزيران/يونيو.

·     لجنة التعاون في مجال الثقافة والتعليم. تهدف هذه اللجنة إلى الحفاظ على تراث العراق وبناء تبادلات ثنائية أقوى في المجال التعليمي والمهني. وقد اجتمعت هذه اللجنة مرة أو مرتين سنوياً (آخرها في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر في بغداد) حيث قامت بتنفيذ قائمة طويلة من مشاريع خاصة بالتعليم العالي والتبادل بين البلدين والتراث.

·     لجنة التعاون في مجال الخدمات والتقنية والبيئة والنقل. تهدف هذه اللجنة إلى تقوية البنية التحتية العراقية وقدرات توصيل الخدمات. ويتضح أنها اجتمعت للمرة الأولى في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ولم تجتمع منذ ذلك الحين. بيد أن اللجنة قدمت إسهاماً كبيراً وقوياً من خلال بناء القدرات والإمكانيات في قطاعات حيوية مثل الصحة والزراعة والصرف الصحي ومياه الشرب وخلق فرص عمل في القطاع الخاص.

·     لجنة التعاون في مجال التجارة والموارد المالية. تهدف هذه اللجنة إلى مساعدة العراق في تنويع اقتصاده والاندماج داخل النظام الاقتصادي العالمي. وفي الاجتماع الذي يعقد سنوياً (كان آخره في بغداد في 6 آذار/مارس)، تركز اللجنة على الصلات التجارية الثنائية والقطاع المصرفي الخاص وتمويل المشاريع الصغيرة.

وقد أفضت “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” أيضاً إلى تأسيس لجنة التنسيق العليا” [العراقية الأمريكية] وهي هيئة عليا مخصصة للإشراف على عمل اللجان الأخرى. وقد اجتمعت اللجنة المرة الأخيرة في بغداد في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمبر 2011 برئاسة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ورئيس وزراء العراق نوري المالكي.

اجتماع كيري- زيباري

خلال قمة هذا الأسبوع، لا يوجد ثمة شك أن مسؤولين أمريكيين وعراقيين سيناقشون الأزمة السورية المستمرة فضلاً عن التطرق إلى علاقات بغداد مع إيران – لاسيما دور العراق المتنامي كمنفذ يمكن من خلاله أن تقلل طهران من تأثير العقوبات المالية وذات الصلة بالطاقة. ويعتبر الاجتماع فرصة لكي تظهر فيه واشنطن لبغداد أنها ستلعب دوراً أكثر قوة في سوريا ولتسليط الضوء على الكيفية التي يمكن بموجبها أن يساعد العراق في الوساطة في الأزمة. وفي المستقبل القريب، يمكن لـ “لجنة التنسيق المشتركة” تقريب وجهات النظر بين بغداد ودول الخليج الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية الأمر الذي يجعل الشيعة الذين يترأسون السلطة في العراق يشعرون بالمزيد من الترحيب بين العرب السنة الذين يهيمنون على الدول العربية المجاورة مع تقليل حدة التوترات الطائفية في الداخل وفي جميع أنحاء المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الاجتماع فرصة لبداية وضع إطار للانتخابات الوطنية الهامة التي ستجري في العراق عام 2014 – والتي ستكون الأولى من نوعها منذ انسحاب القوات الأمريكية. ولا يمكن المبالغة في أهمية هذه الانتخابات. ويرى العديد من العراقيين أن الولايات المتحدة ساعدت في انحراف عملية تشكيل الحكومة لصالح المالكي عقب انتخابات 2010، حيث بدا وكأنها قد دعمت رئيس الوزراء الحالي من أجل الإستقرار في البلاد؛ ويمكن القول أن ذلك قد نتج عنه المزيد من حالات عدم الاستقرار. وهذه المرة، يتعين على واشنطن أن تظهر للعراقيين أنها تقف وراء العملية الديمقراطية بدلاً من أي نتيجة معينة. وحان الوقت لبداية التشديد – بكل حزم وإصرار – على أن تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة ودقيقة. كما لا يتعين أن يكون تأخير الانتخابات المحلية لمدة شهرين في الأنبار ونينوى بمثابة حالة اختبار لتأجيل الانتخابات الوطنية لأسباب أمنية. ففي النهاية، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من المصداقية الكبيرة – حيث إنها كانت هناك فعلاً وقامت بالشيء ذاته – بالإشارة إلى الانتخابات الثلاثة التي أجريت في الوقت المحدد عام 2005 في ظل ظروف أمنية ليست أفضل من اليوم.

التداعيات للسياسة الأمريكية

إن الحساسيات المحلية للتدخل الأمريكي وقلة الأموال الأمريكية الإضافية المخصصة للإنفاق على المساعدات ستعقّد بالضرورة أي مسعى لتقوية العلاقات مع العراق. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن تشعر أنه قد مرًّ وقت كافٍ منذ انسحابها وأن العراق قد يكون مهيأ لإعادة تنشيط العلاقات من خلال “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”. على سبيل المثال، أشارت إدارة أوباما أنه ينبغي على “لجان التنسيق المشتركة” الاجتماع بشكل ربع سنوي؛ وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن ممكناً بعد، بسبب جدولة الصعوبات، إلا أنه التفكير السليم في هذا الشأن.

وفي الواقع أنه يمكن إعادة بناء النفوذ من خلال الاجتماعات المتتالية واحداً تلو الآخر. كما أن الصبر والمثابرة سيعودان بالفائدة على العراق، وأمام الولايات المتحدة الكثير لتقدمه للبلاد حيث يفتقر كل قطاع من القطاعات الاقتصادية إلى وجود تكنوقراط ومتخصصين لإدارته أضف إلى ذلك أن مسألة التفوق والبراعة الأمريكية لا تزال موجودة في أذهان العديد من المسؤولين. وتعتبر الاجتماعات المنتظمة أفضل من فقدان الزخم حتى لو توجب عقد بعضها عبر مؤتمرات الفيديو (مثل المؤتمر الذي حضرته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الذي يعتبر الاجتماع الأول لـ “لجنة التنسيق العليامن هذا النوع).

كما أن أمام الولايات المتحدة مجموعة من الفرص لتنفيذ مشاريع ذات آثار كبيرة. وتُبذَل حالياً جهود حثيثة لتشجيع (ولكن ليس عن طريق تقديم الدعم المالي) تطوير نظام خط أنابيب النفط والغاز الاستراتيجي العراقي بين الشمال والجنوب وتسهيل تدفق الصادرات النفطية إلى الأردن وتركيا. وبدرجة أقل وضوحاً، يمكن لواشنطن أن تساعد العراق في الاستعانة بخبراء لتوجيه قطاع التكرير؛ فالخبرة المحلية في هذه المسألة محدودة نظراً لتقاعد مهنيين مخضرمين، ولعدم تلق القطاع سوى القليل نسبياً من الرعاية “الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة” في بغداد والتي أُعلن عنها مؤخراً. كما يمكن أيضاً الترحيب بنصيحة الولايات المتحدة بشأن تصميم وتشغيل السجون العراقية ذات الحراسة المشددة عقب ما يقرب من عشرة حالات اقتحام سجون في العام الماضي. وفي نظام الحكم المحلي، سيحوِّل التعديل الأخير الذي جرى في أواخر حزيران/يونيو على قانون الصلاحيات المحلية في العراق مجموعة من مكاتب المحافظين إلى وحدات لإنفاق عدة مليارات من الدولارات – وهي مسؤولية غير مؤهلين أو مستعدين لها. ولزيادة قدرتها على الإنفاق وتقليل حجم الفساد والخراب، هناك حاجة كبيرة لبرنامج لبناء القدرات المحلية تضعه الولايات المتحدة بتمويل عراقي كبير.

وأخيراً، ينبغي على الولايات المتحدة التأكد من انعقاد اجتماع لـ “لجنة التنسيق العلياهذا العام والذي يُفترض أن يتم عقده في واشنطن. ولم تعقد أي اجتماعات لهذه اللجنة في عام 2012 وهذه علامة واضحة على التدهور السياسي في العراق وانشغال البيت الأبيض – إن لم تكن هناك حالة نفور من الشؤون العراقية. فوسط أزمة أمنية متفاقمة، يتعاون الزعماء السياسيون العراقيون بصورة مؤقتة، لذلك يجب على واشنطن دعم هذه العملية عبر الإشارة بوضوح إلى التزامها بمستقبل البلاد. وبصورة مثالية، يعني هذا أن الرئيس أوباما والمالكي سيشاركان بأنفسهم في الاجتماع القادم لـ “لجنة التنسيق العليا” في وقت يتزامن فيه رفع شعارات بالالتزام بقضايا الأمن والطاقة وبناء القدرات. ومن الممكن أن تُعتبر الانتخابات العراقية في عام 2014 لحظة نجاح أو فشل بالنسبة للعراق ولمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. كما أن زيادة التعاون الثنائي قبل هذه الانتخابات يعتبر أفضل وسيلة لبدء إعادة بناء النفوذ الأمريكي في هذه البلاد الهامة والحيوية بالنسبة للولايات المتحدة.

 ——————————————–

(*) مايكل نايتس / أحمد البريج

 (معهد واشنطن)