جنبلاط للأنباء: لحوار درزي داخلي بعد حادثة بيصور

أدلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بموقفه الأسبوعي لجريدة “الأنباء” الالكترونيّة جاء فيه:

        نرّحب بكل دعوة للحوار بين اللبنانيين وآخرها كان ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعاد وأكده رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وهي تتلاقى مع موقفنا الثابت والمتكرر للعودة إلى هيئة الحوار الوطني لا سيّما أن البدائل عن الحوار هي المزيد من التوتر والتشرذم والانقسام والانكشاف السياسي والأمني. ونثمن موقف الرئيس ورسالته وعدم موافقته على طلب إدراج حزب الله على لائحة الارهاب، وهو موقف هام وشجاع ويصب في مصلحة الاستقرار والتهدئة الداخليّة.

        من هنا، نتطلع إلى موافقة كل الفرقاء السياسيين على معاودة الحوار على أمل أن يكون بمثابة مسعى جدياً للنقاش حول القضايا المطروحة وفي طليعتها وضع آلية جديّة وعمليّة للخطة الدفاعيّة التي لا بد أن تلحظ في نهاية المطاف صيغة تؤكد مرجعيّة الدولة في قرار الحرب والسلم على أن تستفيد الدولة من خبرات المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.

        ولعل الانعقاد المأمول للحوار الوطني يفتح الباب أيضاً حول مشاركة فرقاء أساسيين في الصراع السوري ويعيد الاعتبار لسياسة النأي بالنفس التي أثبتت أنها شكلت مساحة، ولو غير مكتملة، من الاستقرار قياساً إلى حجم اللهب السوري وإحتمالات إنتقاله إلى لبنان لا سيّما أن بعض الدوائر الغربيّة لا سيّما الأميركيّة تتوقع أن تطول الأزمة السوريّة إلى ما لا يقل عن عشر سنوات. فكل السياسات المعاكسة لهذه السياسة من شأنها نقل التوتر السوري إلى داخل لبنان الذي تحوّل إلى أرض خصبة بفعل الانقسامات الحادّة بين اللبنانيين.

        وبالحديث عن الحوار، فلعله من المفيد بعد حصول ذاك الفعل البربري في بلدة بيصور الذي كان من الممكن أن يقع في أي بلدة أخرى، أن يذهب المجتمع الدرزي ليفتح حواراً داخليّاً حول مستقبل هذه الطائفة. فإلى أين سيؤدي الانحدار نحو الانغلاق الفكري والتزمت؟ وإلى أين  سيؤدي الاستمرار في قافة رفض الآخر التي تولد التعصب والكراهية؟ ألا يشكل ذلك خطراً على المصير والمستقبل؟

ألا يستحق ما حدث من عمل همجي في بيصور وقفة من رجال الدين والمثقفين والسياسيين للسعي لاخراج الدروز من حالة التقوقع والانغلاق؟ وإلى أين غياب التثقيف الديني المبني على عقيدة العقل والمنادي بالتسامح والاعتدال والانفتاح؟ أليس تاريخ الدروز مبني أساساً على عروبتهم وإنتمائهم الاسلامي أم أن هناك من يخترع ثقافة سياسية ودينية جديدة مماثلة للدعاية الصهيونية التي نجحت في إيهام الدروز أن لهم خصوصية مستقلة عن محيطهم العربي والاسلامي وحولت مجموعات منهم إلى حرس حدود لاسرائيل؟

 إلى أين هذا الانعزال السياسي والتورط مع نظام القمع كما يحصل في سوريا؟ لقد وصل عدد الشهداء من منطقة حوران إلى نحو ستة الآف ناهيك عن الخراب والدمار، فهل لا يزال مقبولاً إستمرار المشاركة مع النظام وقمع الوطنيين الأحرار وسط تغاضي الأغلبيّة الساحقة من الدروز في السويداء؟ ألا يتعارض ذلك مع تراث هذه الطائفة في الثورة السورية الكبرى سنة 1925 عندما إنتفضت ضد الظلم مع كوكبة من الوطنيين السوريين؟

        هل من المفيد البقاء في هذه المناخات أم إطلاق حملة حوار واسعة داخل الطائفة الدرزية بين رجال الدين والمثقفين والسياسيين بهدف الانفتاح على الآخر، والتأكيد على التراث العربي الاسلامي للدروز الذي كان الحاضنة التاريخية والعقائدية لهم على مر الأزمان، بدل البحث عن تراث خاص لا يتماشى مع الموروثات القديمة الثابتة التي تشكل أساساً فكرياً ودينياً وسياسياً؟

ختاماً، المطلوب فتح آفاق وطرق جديدة أمام الأجيال المسقبليّة من أجل الحفاظ الوجودي والثقافي وفقاً لسياسات الاعتدال والانفتاح، وإلا سيكون مصيرنا الانقراض السياسي والفناء الثقافي والوجودي بين لبنان وسوريا ناهيك عمّا يؤديه البعض من دروز فلسطين في علاقاتهم المشبوهة مع إسرائيل! إن أي تغاضي عما حدث في بيصور أو محاولات الالتفاف والتمويه تحت شعار التقية أو سواها سيلحق ضرراً كبيراً بمستقبل الدروز ووجودهم.