الجيش: ماذا بعد صيدا؟

رامي الريس (الجمهورية)

باستطاعة اللبنانيين أن يستثمروا إيجاباً الإلتفافَ شبه العارم الذي حصل حول الجيش اللبناني على خلفيّة الأحداث الأخيرة في صيدا وأن يذهبوا في إتجاه المزيد من الدعم للمؤسسة العسكريّة التي تضطلع بمهماتٍ شاقة في ظروف صعبة، تُظلّلها إنقسامات سياسيّة عميقة وترهّل مؤسساتي يكاد يكتمل بكل حلقاته، بعد التهاوي المتتالي للاستحقاقات بفعل الضغوط الأمنيّة المتنامية والتحديات التي يفرضها الانغماس اللبناني في الأزمة السورية المعقّدة والمستفحَلة.

وأولى خطوات هذا الاستثمار الإيجابي تكون من خلال توحيد المعايير في سبل التعاطي السياسي والأمني مع الملفات المتشابكة والمتداخلة، وهذا يعني أن يكون لدى المؤسسة العسكريّة، من دون إضطرارها إلى العودة في كل حال أمنيّة شاذة، إلى هذه المرجعيّة أو تلك، الغطاء السياسي المستمرّ والمتواصل. وهذا يتيح للجيش أن يعمل على ضبط الأمن وملاحقة المخلّين به من أيّ جهة كانوا أو الى أيّ منطقة أو مذهب أو طائفة انتموا.

قلّما إستطاع اللبنانيون فصل الاعتبارات الأمنيّة عن الخلفيّات السياسيّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة، تماماً كما لم ينجحوا في فصل الاعتبارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة عن التجاذبات السياسيّة.

صحيحٌ أنّ السياسة تحتلّ دائماً المراتب العليا في الأولويات، لا سيّما أنّ صوغ القرارات ورسم السياسات العامة يتمّ من خلال المؤسسات السياسيّة، إلّا أنّ ذلك لا يلغي إمكان خلق هوامش، ولو محدودة، تسمح ببناء خصوصيّات للمؤسسات المولجة بملفات الأمن والاقتصاد والاجتماع وسواها.

طبعاً، ليس المقصود بهذا الطرح أن يخرج الجيش عن طواعية السلطة السياسيّة، بل أن تمنح رموز السلطة السياسيّة الصلاحيّة الكاملة للجيش للعمل في إطار مهماته المنصوص عنها في القوانين، وتحديداً في مجالَي ضبط الاستقرار العام والسلم الأهلي من دون أن تتدخل لمصلحة هذا أو ذاك.

على رغم الخسائر البشريّة الفادحة التي تكبّدتها المؤسسة العسكريّة بسقوط عدد كبير من الشهداء، وهي ليست المرة الأولى، والارجح أنها لن تكون الأخيرة للأسف، ولكنّ الحسم الأمني الذي حصل في صيدا يُفترض أن يُستَتبع بسلسلة خطوات تُثبّت مرجعية الجيش في الملف الأمني الداخلي دون سواه، وذلك يتحقق حصراً من خلال الدعم الفعلي والعملاني من كلّ القوى السياسيّة له.

إن تثبيت مرجعية الدولة، من خلال مؤسساتها الأمنية والعسكريّة يصبّ في المصلحة الوطنيّة العامة، كما يصبّ في مصلحة مختلف الفرقاء، ولو لم يفقه بعضهم ذلك. هذا الخيار ممكن التحقيق، بقليل من التواضع السياسي، وكثير من العقلانيّة والتروّي لأنّ خروج الأمور عن السيطرة ليس في مصلحة أحد على الاطلاق.

—————————————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Twitter: @RamiRayess

Facebook: Rami Rayess

Rami Rayess II

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!