في مسألة عفرين ووأد تداعيات الفتنة السلطوية

بشار العيسى

ـ خيرا فعلت قوات حماية الشعب الكردية، انها منعت هؤلاء (المسلحين) من دخول مناطق حاضنتهم الشعبية ، لرأيناهم غدا يغزون “سقيلبية” و”مصياف” و”محردة” و”السلمية” و”السويداء” والاحياء المسيحية. يقيمون الحدّ بالنهب وتعميم ثقافة القرون الوسطى مثلما فعلوا بالطفل الحلبي والنتيجة كانوا عملاء السلطة ومؤتمرين بأمر مافياتها .

ـ كردستان كانت دائما على مر العصور والتاريخ ارض ملاذ وملجأ للأقليات الدينية والعرقية والثقافية وللهاربين من تُهَم الهرطقة.

ـ ان أفعال الانتقام من سلوك المجرمين، وغزو او حصار قريتين علويتين لانهما علويتان تنم سوء تدبير وفهم خطأ لحماية الثورة.

ساد مؤخرا لغط كثير حول موقف الكرد والتركيز على حزب الاتحاد الديمقراطي المحسوب على عقيدة حزب العمال الكردستاني، والعضو في هيئة التنسيق، والهيئة الكردية العليا. تتم من خلال حملة غير بريئة للنيل من موقفه من الثورة وقوى الثورة والجيش الحر لكن في تبرير هذا النقد تتم عملية تشويش على الثوار الكرد جمهورا، واحزاباً، ومقاتلين ومثقفين، لأسباب لا تنم عن حسن النية بل تبدو الامور بطريقة التناغم الموسيقي وكأن هناك قائدا للأوركسترا التي تنفذ أجندات السلطة في التفريق ورمي الفتنة بين الكرد والعرب.

لقد تمت عمليات حربية أكثر من مرة استهدفت المناطق الكردية: “سري كانية” وتل تمر” وقامشلي” والحسكة، قاد العمليات العسكرية عناصر مشكوك في ولائها للسلطة وسلوكها مارسوا اعمال قتل وخطف ونهب للمخزون الاستراتيجي لصوامع الحبوب والاقطان للأسف، قادها افراد مزدوجي الارتباطات بالسلطة والمجلس الوطني السوري للأسف. وفي غمرة الحروب العبثية تلك في المناطق الكردية حمل راية التشكيك والتشويش على الكرد عنصر آخر منبوذ من نشطاء الميدان وهو للأسف كادر في حزب الشعب ولا يمكن لنا تبرير سلوكه الفتنوي بغير تنفيذ سياسات السلطة لدفع الكرد بعيدا عن العمل الوطني العام بمغالطات التاريخية والميدانية التي اراد ان يتلطى وراءها من خلال الكيد لفترة تواجد فيها قائد حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان في سوريا ما بين 1979 و1998.

اليوم تعاد نفس حكاية غزو “سري كانية” تشرين الثاني 2012 التي تمت وقتها بدعم تركي مباشر قيادة ودبابات ونقط اسناد ودعم تحت غطاء بمسمى غرباء الشام وحلفائه بالهجوم على مدينة حدودية بدل الهجوم على مكز المحافظة الحسكة مثلا.. تعاد نفس القصة بإثارة زوبعة أكاذيب وشحن فتنوي هذه المرة اوسع دائرة من الكرد وان كان الكرد وحزب العمال دائما، هدف راس الحربة الفتنوية التي تفيد فقط السلطة التي تحتاج الى استقطاب شريحة كبيرة من المجتمع السوري.

يأخذ هذا البعض على الكرد وقواهم المسلحة عدم مشاركتهم ( 21 كتيبة جهادية) غادرت حلب الى الشمال لحصار قريتي نبل والزهراء الشيعيتين او العلويتين في وقت كانت القيادة العسكرية في حلب ( العقيد العكيدي وعبد القادر صالح) يغادران الى القصير لنجدة المحاصرين من قبل جيوش السلطة وحزب الله.

وبدل حصار القريتين او دعم الهجوم على مطار “منّغ” العسكري تمت عملية غزو من قبل هؤالء  الجهاديين بلحى محدثة وسوابق تهريب ومخدرات وسنين خلف القضبان بالإفراج المشروط عنهم من قبل السلطة لغايات نرى آثارها على الارض. تمت على ايديهم عمليات قطع الطريق التجارية بين عفرين واعزاز وعفرين وحلب وعمليات خطف طالت مئات المدنيين الكرد من عفرين او سكان حلب، بالتوافق مع حملة خبيثة: رمي الكرد  بشخص “بي يي دي” بانهم يدعمون القريتين العلوين ( على خلفية اقامة قديمة لأوجلان في سوريا) في وجه الجيش الحر الذي لم يثبت بهؤلاء، انه جيش، فكيف به يكون حراً، وهذا سلوكه في أكثر من موقع وميدان: قتال الشعب بغرض النهب ونشر حالة كره ويأس بين المواطنين ومن الثورة والجيش الحر والانصراف عن مواجهة قوى السلطة.

“نُبّل” و”الزهراء” بلدتان سوريتان مسكونتان بغالبية شيعية او علوية على مبعدة كيلومترات قليلة من الحدود الادارية لمنطقة عفرين يحيط بهما من الشرق قرى تركمانية ومن الغرب قرى كردية يعتنق جلّ سكانها، حسبما معروف، ديانة الزرادشتية المعروفة باليزيدية. وهؤلاء لهم ثقافة دينية خاصة به تقوم على التسامح  والطيبة جعلتهم على مرّ السنين، ان كانوا هدفا للولاة العثمانيين وغلاة التطرف الديني الجاهل.

ساهم بعض الحمقى الكرد، لغايات مشبوهة ومصالح شخصية ذي علاقة بالمال السياسي، وبعضها ناجم عن علاقات الخصومة الحزبية الكردية، الكردية. اتخذ البعض الرخيص ممن يدَّعون معارضة وطنية من هؤلاء مطيه تمرير سهام فتنة السلطة بين أضلع المكونات الوطنية السورية حتى ولو تمت عمليات تورية لهذه السهام المسمومة فالأحمق وحده يتصور انه زمن التصارع الداخلي والسلطة تحقق انتصارات مكانية.

قناها مرارا وسنعيد قولها ثانية ولن نَملَّ من تكرارها: ان أفعال الانتقام من سلوك المجرمين والحمقى، وغزو او حصار قريتين علويتين فقط لانهما علويتان ومعزولتان تنم سوء تدبير وفهم خطأ لحماية الثورة لان عمليات من هذا النوع لا هدف سياسي لها غير الانتقام الغريزي في احسن الاحوال وفي الحال الطبيعية هو الوجه الآخر لعملة العميد الشبيح “محمد خضور” الذي يستخدم هذا الهجوم لشحن طائفي مذهبي ما كان قط يوما هدفا من اهداف الثورة.

وخيرا فعلت قوات حماية الشعب الكردية انها منعت هؤلاء المشبوهين من دخول مناطق حاضنتهم الشعبية وهذا واجبهم فلوا سمح لهم بذلك لمارسوا نهب السكان والارض ولرأيناهم غدا يغزن “سقيلبية” و”مصياف” و”محردة” و”السلمية” و”السويداء” ومحلات الصاغة والاحياء المسيحية. يقيمون الحد بالنهب وتعميم ثقافة القرون الوسطى مثلما فعلوا بالطفل الحلبي والنتيجة كانوا عملاء السلطة ومؤتمرين بأمر مافياتها .

لو ان هؤلاء المشبوهون وجهوا هجومهم على معاقل أسرة الاسد في “قرداحة” وجوارها، لقلنا ربما هو اجتهاد قد يكون خطأ او صوابا، لو أنهم حاول قطع طريق امداد جيوش السلطة بحصار قرى الغاب او اللاذقية لقلنا ربما هو اجتهاد عسكري اما الهجوم على قريتين معزولتين تبعدا أكثر من مئتي كلم عن الحاضنة العلوية فقط لان سكانها علويون، فهو سلوك شائن ومشبوه هذا ما يخص الثورة أما ما يخص الكرد فكردستان كانت دائما على مر العصور والتاريخ ارض ملاذ وملجأ للأقليات الدينية والعرقية والثقافية وللهاربين منم تهم الهرطقة (مثلما حدث للكنيسة النسطورية) والتكفير وكان الكرد الحاضنة التي آوت وأمّنت على حياة الجميع فارض التعددية الثقافية والقومية والدينية كردستان لا يمكن  لها ان تصبح ارض فتنة ولا يمكن للكرد ان يخونوا الجوار المسالمـ كما انه لا يمكن ان يتشبع الكردي بروح الانتقام ضد العلوي فقط لانهم شكلوا حاضنة لسلطة الاسد او لان هذه السلطة المحسوبة على الطائفة العلوية اضطهدت الكرد عشر اضعاف ما اضطهدت غيرهم فالكرد حاضنة دينية للمسيحية والاسلام واليهودية وللمذاهب والكنائس التي هربت من بربرية وهرطقة وتكفير الامبراطوريات كلها البيزنطية والاسلامية على اختلافها وبالتالي فان المجتمع الكردي المسيس حتى النخاع لا يمكن ان ينجر الى اخطاء قاتلة لا تستقيم وقيم الثورة والحرية والكرامة لا يمكن للكرد ان ينجروا الى الانتقام من قرى علوية ولا من قرى مسيخ\حية ولا  الاسماعيلية فهذ البلاد، بلاد امارة كلس: التي تضم عفرين واعزاز ومناطق من ريف حلب وانطاكية هي الارض التاريخية للأمارة الجنبلاطية الكردية الدرزية طيلة القرن السابع عشر الميلادي، دخل امراؤها في صراع مديد مع العثمانيين اكثر من مرة وتعرضوا الى عمليات قمع الباب العالي الذي جرد ضدهم اكثر من حملة وفرمان، افضت بالأسرة الحاكمة بالأخير الى اللجوء الى لبنان.

كل المؤشرات تدل على ان المعركة مع سلطة الاسد وحلفائها ليست معركة سهلة ولا تستقيم وهواية الثرثرة بالسياسة بل مسؤولية تاريخية وأمانة، فهمها جيدا شباب الثورة: شهداؤها ومعتقلوها ونشطاء الميدان الذي ما زالوا يتابعون بالمعجزات استمرارية الثورة والحفاظ على نقاء شعاراتها والعمل على استراد الكرامة الانسانية من قوى الشر: السلطة وايران وحزب الله، فضلا عن الضمير الدولي الميت ، ولا تحتاج الثورة ولا يحتاج الشعب السوري وفاء لدماء الشهداء وتحقيقا للحلم بوطن وكرامة وحرية، ان تضاف الى اشرار السلطة، اشرارا وحمقى من معسكر الثورة باسمها لكن عليها .

سوريا بلد متعدد القوميات والاديان والمذاهب وقيمتها واهميتها تنبع من هذه التعددية المتكاملة ولن تبقى كما هي اذا تم حذف ضلع او مكون بحجة الانتقام او العزل .

حان للأحزاب المتكاثرة على جراح الثورة عبر هياكل واطر فارغة تقتات من جسد الشعب ولحمه الحي الاكتفاء بما فعلت وعليها اما الانضمام فعلا الى الثورة والا فالتوقف عن نهشها بسلوك كوادر بغيضة حمقاء لا تمتّ للقيم الوطنية والثقافة الانسانية بصلة.

كما انه صار من الضرورة بمكان ان تتم عملية تفعيل حمل المسؤولية الوطنية من قبل هيئات اسمها ممثلو المعارضة سياسية وعسكرية بأخذ الامور جديا وضبطها على ساعة ومصالح روح الثورة ومستقبل وحقوق الناس. ولات ساعة مندم.