تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

رامي الريس (الجمهورية)

في استطاعة اللبنانيين الذين اختلفوا منذ ما يزيد عن سبعين عاماً على ثوابتهم الوطنيّة والقوميّة، تنظيم خلافاتهم السياسيّة مرحليّاً، في وقتٍ تشهد المنطقة العربيّة متغيّرات إستثنائيّة غير مسبوقة في تاريخها المعاصر، وفي ظلّ احتدام الصراعات التي تتخذ طابعاً فئوياً ومذهبيّاً يستند إلى خلافات تضرب جذورها في التاريخ القديم، وتُستعاد عناوينها في حقبات متفرّقة تبعاً لتطوّر الظروف السياسيّة العامة.

لبنان لم يكن يوماً في منأى عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة، لا بل إنه تحوّل ساحة لتصفيتها في العديد من الحقبات الزمنيّة كانت أبرزها الحرب الأهليّة الطويلة (1975- 1990) إرتسمت فيها خطوط تماس سوريّة- إسرائيليّة ومن خلفها سوفياتيّة- أميركيّة، عبر الأدوات اللبنانيّة التي لطالما استسلمت للأمر الواقع الذي مثّله النفوذ الخارجي وتعاطت معه من زاوية استثماره بهدف الاستقواء على الطرف اللبناني الآخر.

ويمكن القول إنّ هذه المقاربة طبّقتها بالتساوي جميع الأطراف السياسيّة، وهو ما عزّز تحويل لبنان إلى بلدٍ مخترقٍ على أكثر من مستوى وجعله ينقسم إلى متاريس قتاليّة جاهزة للانقضاض بعضها على بعض، فأصبح صوت المدفع وأزيز الرصاص هما المعيار الأساسي للتعاطي بين اللبنانيين، فيما وقفت القوى الاقليميّة والدوليّة متفرّجة على الاقتتال الداخلي تغذي الجبهات فور سكونها وتمدّها بما تحتاجه من السلاح والعتاد والمال لإبقائها مشتعلة.

صحيحٌ أنّ اللبنانيين قد قلبوا صفحة الحرب الأليمة من خلال إتفاق الطائف (1989) عبر إعادة توزيع مكوّنات السلطة السياسيّة ممّا عالج جانباً من الشكوى التاريخيّة التي قالت بغلبة فريق من اللبنانيين وسطوتهم على مقدراتها بشكل شبه كامل على حساب فرقاء آخرين، إلا أنهم لم ينجحوا في معالجة مشكلة إنقسامهم المزمن حيال الثوابت الرئيسيّة التي يرتكز إليها أي كيان سياسي، وفي مقدّمها هوية لبنان ودوره في الصراعات الاقليميّة التي إحتدمت مع إندلاع الصراع العربي- الاسرائيلي وإعلان ولادة دولة إسرائيل عام 1948.

وغنيٌّ عن القول إنّ المندرجات الأساسيّة التي وردت في مقدمة الدستور اللبناني بعد التعديلات التي أقرّت في إتفاق الطائف حيال نهائيّة لبنان وعروبته تكتسب أهميّة نظريّة إستثنائيّة، ولكن يبقى التباين في شأن سبل ترجمتها في الواقع اللبناني وتعقيداته الداخلية وتشابكاته الإقليميّة مسألة يكتنفها الكثير من المصاعب والعثرات والإشكاليات، والسبب الأبرز في ذلك هو إرتباط مجموعاتٍ من اللبنانيين بالمحاور الخارجيّة التي تسعى إلى تحقيق مصالحها حصراً وفق لعبة كبرى تفوق قدرة اللبنانيين على الاحتمال.

يمكن القول إنّ المقوّمات الأساسيّة التي كانت تقف خلف إنقسام اللبنانيين لا تزال قائمة. واللاعبون الدوليّون والاقليميّون لا يزالون يمسكون بمفاصل مهمة من الواقع الداخلي اللبناني، ولو تبدّلت هويات بعضهم، فاللاعب المصري تراجع بينما دخل اللاعب الايراني، فيما يشهد الدور السعودي تقدّماً وتراجعاً بحسب الظروف، وإذ حل الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي أي روسيا مكان مورثه، فإن الولايات المتحدة الأميركيّة تحافظ على مكانتها المتقدمة في الموقع الدولي الأول.

اللبنانيّون أمام منعطفات جديدة، كما كانوا دائماً. إذا لم يكونوا في عين العاصفة، كانوا في المرتبة الأولى من متلقّي مفاعيلها. هذه هي الحال الآن بالنسبة إلى الصراع الدائر في سوريا. الحرب السوريّة تمتد نيرانها رويداً رويداً نحو لبنان، فتشعل حرائق متنقلة هنا وهناك، وطرابلس أحد أبرز أمثلتها وقد لا تبقى وحيدة دون سواها من المناطق اللبنانية المرشحة للتأثر بما يحدث في البلد المجاور.

لبنان أمام الامتحان. فهل سينجح؟

————————————————–

Facebook: Rami Rayess II

     Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!