عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

رامي الريس (الجمهورية)

كثيرةٌ هي التحليلات الصحافيّة والسياسيّة المتصلة بمستقبل منطقة الشرق الأوسط ولا سيّما مع استفحال الأزمة السوريّة وتطاير شظاياها نحو دول الجوار. فالثورة السوريّة التي انطلقت في كانون الثاني 2011، اتّخذت منحى دراماتيكياً مع إصرار النظام السوري على جرّها إلى الملعب الذي يجيد اللعب فيه وهو الأمن والعنف، ومع رفضه المطلق الانصياع لرغبات الشعب السوري المشروعة بالحرّيّة والديموقراطيّة وإصراره الكامل على ما أسماه “الحل الأمني”.

وهذه المقاربة التي اعتمدها النظام أدّت عملياً إلى اندلاع الحرب الأهليّة في سوريا التي أصبحت لها صفات خاصة لا يمكن التغاضي عنها: أولها، أنها تحمل صبغة مذهبيّة وقد أجّج ذلك مشاركة “حزب الله” إلى جانب النظام مقابل مشاركة جماعات سلفية إلى جانب الثورة (مع لحظ اختلاف مستويات المشاركة)، فضلاً عن المشاركة العراقية في الأحداث وتحوّل سوريا في جانب منها إلى ساحة مفتوحة للصراعات على أشكالها المختلفة.

وثانيها، يتصل بحال اللامبالاة الغربيّة، وتحديداً الأميركيّة، إزاء ما يجري من أحداثٍ دامية في سوريا، واكتفاء الإدارة الأميركيّة بعقد بعض الاجتماعات التي لم تنتج حلاً حتى اللحظة، وأغلب الظنّ أنها لن تؤدي، في نهاية المطاف، إلى أي معالجات جذريّة لهذه الأزمة المتفاقمة والمحتدمة بشكل غير مسبوق.

لقد رسم الرئيس الأميركي باراك أوباما خطاً أحمر حيال استخدام الأسلحة الكيماوية، معتبراً أنه العامل الوحيد الذي سيُغيّر قواعد اللعبة ويتيح للولايات المتحدة الأميركيّة إعادة النظر في سياستها المرتكزة على الابتعاد عن كل أشكال التدخل المباشر بعد تجاربها المرة ولا سيّما في أفغانستان والعراق. ولكن ألا يعني ذلك صرف النظر عن كل ما يرتكبه النظام طالما أنه لم يستخدم السلاح الكيماوي، وخصوصاً أنّ الغرب يقول إنه يريد أدلّة دامغة على استعماله قبيل أي تحرّك؟

مع الإعلان الروسي عن نيّة موسكو تسليم دمشق صواريخ قابلة للاستخدام في وجه “أي اعتداء خارجي”، وبعد الإعلان الأوروبي الخجول عن رفع حظر الأسلحة عن المعارضة السوريّة (وهو إعلان متأخّر جداً قياساً إلى التطورات الميدانيّة)، ومع التربّص الإسرائيلي إزاء ما يجري في سوريا، ستتجه الأمور نحو المزيد من التعقيد.

الأكيد أنّ هذا التعقيد الإقليمي يغذّيه عدد غير قليل من العوامل، من أبرزها ارتفاع حدّة الاصطفاف المذهبي فوق الحدود الجغرافيّة التي ارتسم بعضها بشكل مصطنع منذ حقبة اتفاقية سايكس – بيكو (1916) التي كانت بمثابة توزيع حصص تنفيذاً لمصالح دوليّة كبرى.

كما يغذّيه أيضاً المفاعيل السلبيّة المستمرة للصراع العربي- الإسرائيلي منذ عقود مع تغاضي المجتمع الدولي عن الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في تهويد القدس والتوسّع الاستيطاني وحرمان الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

الواضح أنّ هذا الارتفاع في مستوى الاصطفاف المذهبي بدأ يفعل فعله في تخطي الحدود بين الدول. مدينة طرابلس مثال ساطع على ذلك. المحاور فيها أصبحت مرسومة بشكل واضح، والصراع التاريخي الذي كان كامناً خلال المراحل المنصرمة خرج إلى العلن، والعودة إلى الوراء بالنسبة إلى المتقاتلين غير ممكنة.

هي فرصة نادرة بالنسبة إلى الفريقين للتشفّي والانتقام. ومن الآن فصاعداً ستصبح تغذية المتقاتلين عملية متواصلة لا يبتعد عنها الكثير من السياسيين المعنيين بشؤون المدينة.

الانغماس الكامل لـ”حزب الله” في ميدانيات الأزمة السوريّة مثال آخر على هذه المشكلة المتفاقمة، والصواريخ السوريّة على الهرمل رداً على ذلك مثال أيضاً! وقد تتكاثر الأمثلة والشواهد في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة مع التساقط التدريجي لكل مقوّمات الاستقرار واستمرار الواقع الانقسامي السياسي اللبناني الكبير ولا سيما حيال الأزمة السورية.

أغلب الظن أن البركان السوري سيطوف على دول المحيط، ولبنان مرشح أول لتلقي مفاعيل هذا الطوفان التي قد تكون كبيرة ومدمّرة وتقضي على كل المنجزات الوطنية التي تحققت منذ إقرار اتفاق الطائف لغاية يومنا هذا. فهل لا يزال ممكناً تفادي الوقوع في المحظور؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!