عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

رامي الريس (الجمهورية)

على رغم أنّ المهل الدستوريّة الضاغطة حفّزت معظم القوى السياسيّة على النقاش الجدي حيال قانون الانتخابات وتأليف الحكومة، وعلى رغم أنّ الحركة السياسيّة الأخيرة قد أعطت انطباعات متناقضة للبنانيين حيال نتائجها وانعكاساتها، إلا أنّ كل هذه القضايا، لا تحجب القضيّة الأهم وهي الأزمة السوريّة المتفجّرة منذ ما يزيد عن عامين وسط لا مبالاة من المجتمع العربي والدولي في الوقت الذي يدفع الشعب السوري الأثمان الباهظة نتيجة هذه السياسات المتراخية والمرتبكة، وتضارب المصالح الدولية والإقليمية.

إلا أنّ عنصراً بارزاً أُضيف إلى تعقيدات الأزمة السوريّة، وهو الغارة الإسرائيليّة على جبل قاسيون في قلب دمشق. وعلى رغم أنّها ليست المرة الأولى التي تنتهك إسرائيل السيادة السورية، إلا أنّ الغارات الأخيرة جاءت في لحظةٍ شديدة الحساسيّة وأدّت إلى خلط الأوراق بشكل ملحوظ.

وفي قراءةٍ أوليّةٍ للسلوك الإسرائيلي، يمكن القول إن هذه الغارات وفَّرت للنظام حبل نجاة على أكثر من مستوى. فهي أتاحت له استنهاض اللغة الخشبيّة التي لطالما بنى عليها أدبيّاته في مواجهة إسرائيل، في حين لم يقم بهذه المواجهة طوال أربعين عاماً.

كما سمحت له إعادة تثبيت منطق التخوين الذي اعتمده مراراً ضد المعارضة متهماً إياها بخدمة إسرائيل. وفي المناسبة، فإنّ ظهور أحد مسؤولي المعارضة السورية على القناة التلفزيونيّة الإسرائيليّة هو بمثابة غباء سياسي وإعلامي لأنه يؤكد نظريّة النظام في العمالة!

وبموازاة الخدمة الإسرائيليّة للنظام في إعادة إنتاج المصطلحات التي مرَّ عليها الزمن، وأصبحت خارج السياق وغير قابلة للتصديق، فإنّ الكلام الذي صدر عن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله أضاف عنصر تعقيد آخر للأزمة، ولا سيّما لناحية الربط بين الجبهات، بمعنى أن فتح جبهة الجولان سيقابله فتح الجبهة اللبنانيّة مجدداً.

وهنا، من المفيد التساؤل جديّاً عن المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة التي قد تتأمّن من خلال هذه الثنائيّة، في حين أنّ النظام السوري وقف متفرجاً طوال عقود على النيران الإسرائيليّة تحرق لبنان وتقتل أهله وتدمر بناه التحتيّة ولم يحرّك ساكناً!

كان النظام السوري دائماً شريكاً في الربح ومتفرّجاً في الخسارة. أقله بعد اتفاق الطائف (1989)، وقَع العدوان الإسرائيلي عام 1993، ثم عام 1996، و2006، ولم يفعل النظام السوري شيئاً، بل على العكس كان يفاوض باسم سوريا ولبنان في مؤتمر مدريد (1991)، وكرّر مراراً أنّ الخيار الاستراتيجي لسوريا هو السلام، وقد أكد ذلك الرئيس حافظ الأسد في مباحثاته مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في جنيف عام 1996، لا بل إنه كاد أن يصل إلى اتفاق شامل معه حول قضيّة الجولان، ولبنان كان يقف موقف المتفرّج!

فلماذا اليوم، بعد كل هذه التضحيات والسنين، مطلوبٌ من لبنان أن يدفع الأثمان مجدداً؟ وكأنه كُتب على لبنان أن يُسدّد الفواتير السياسيّة والأمنيّة في أثناء مرحلة الهدوء في جبهة الجولان، وبعد فتح جبهة الجولان، في حين بقيت هذه الجبهة هادئة طوال مرحلة الحرب الأهليّة اللبنانيّة وخلال كل الحروب الإسرائيليّة على لبنان!

وعلى مستوى آخر، بالتوازي مع إشكاليّة “حروب الآخرين على أرض لبنان”، ها هم بعض اللبنانيين يكادون يتقاتلون في سوريا وسينقلون هذا الاقتتال لاحقاً إلى لبنان. فكيف يجوز للبنانيين الانجرار إلى ميدانيات الصراع السوري الداخلي، مهما كانت المسمّيات والذرائع والحجج والمسبّبات؟ ألن يترك هذا السلوك تداعيات في غاية السلبية لدى الأغلبيّة من الشعب السوري؟

إنّ ربط الساحة اللبنانيّة بالساحة السوريّة خيار غير موفّق على الإطلاق، ذلك أنّ إشعال لبنان لا يصبّ في إطار تحصينه لمواجهة إسرائيل، أو في إطار تعزيز وحدته الوطنيّة، أو في إطار تلافي انزلاقه نحو الفتنة المذهبيّة الذي سيكون بمثابة نفقٍ مظلمٍ يصبح الخروج منه مسألة في غاية الصعوبة.

باستطاعة لبنان أن يحوّل تنوعه السياسي إلى فرصةٍ ونموذج يُحتذى من خلال إدارة هذا التنوّع على قاعدة الابتعاد عن الإلغاء والتهميش والإقصاء. وباستطاعته، للأسف، تحويل هذا التنوع إلى لعنة على كل المستويات الوطنيّة، وتصبح مجالاً للاقتتال والتناحر والتشرذم من دون طائل! فأيهما سيختار اللبنانيون؟

————————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!