بين سيف الدولة.. وبشار الأسد!

مشاري الذايدي (الشرق الاوسط)

                        دخول إسرائيل على المسار السوري، بعد الغارة الأخيرة، حوّل الأنظار عن فظائع جيش وشبيحة بشار، ومقاتلي حزب الله اللبناني – الإيراني، في سوريا، الذين اعترف بهم علانية، بعد فترة جحود، حسن نصر الله، ومتطوعين من الأحزاب الشيعية التابعة لإيران الخمينية.

المضحك المبكي، كما أشرنا في المقال السابق، هو ندب وعويل، بقايا الناصريين والقوميين، على اعتبار أن مواجهة أي طرف عربي، يعني منسوبا للأمة العربية، تجعل بقية العرب وربما المسلمين كلهم يتناسون «خلافاتهم» مع النظام الأسدي، في مواجهة الغريب الإسرائيلي.

طالع معي بعض هذه التعليقات من قوى المعارضة في مصر، دعنا من قوى الإخوان الحاكمة، ومن يواليها.

ففي صحيفة «الأهرام»، نشر الثلاثاء الماضي، تحت عنوان «غضب في الأوساط السياسية بعد الاعتداء الإسرائيلي على سوريا»، أن «التيار الشعبي المصري» الذي أسسه حمدين صباحي القيادي في جبهة الإنقاذ الوطني – وصباحي كما نعلم يعتبر امتدادا لمسار جمال عبد الناصر عند أنصاره – قال في بيان إن هذا العدوان لا يستطيع إنسان عربي واحد أن يقبله «مهما تكن درجة الخلاف مع نظام الأسد».

نعم، مهما كانت «خلافاتك» مع بشار الأسد، فضع هذه الخلافات بعيدا، واشحذ حنجرتك، إن لم يكن سلاحك، للوقوف مع الأخ، حتى ولو كان ظالما، ضد العدو الصهيوني.

هذا، تحديدا، هو المأزق العميق الذي استفحل في طريقة التفكير السياسي العربي منذ عقود وعقود، خصوصا عند النخب التي تعتبر نفسها مدنية ليست دينية، مثل القوميين والناصريين، وفلول اليسار.. الغوغائية العقلية والشعبوية السياسية، والنزق في المواقف، وهو الأمر الذي جعل أمثال نصر الله وغيره يصبحون أبطالا في الإعلام العربي طيلة أكثر من عقد.

بكل حال، النقاش عقيم مع مثل هؤلاء، بعد كل هذا التعري الذي أصاب أكذوبة «المقاومة» والممانعة، التي لم تكن سوى ذريعة للهجمة الإيرانية على المنطقة، وتسويق سياسات استحواذية على الفضاء العربي العام.

النقاش ميّت بعد الهمجية الساطعة والطائفية الفاقعة لنظام بشار الأسد.

لا فائدة من تحفيز العقول، ورصد التناقضات، وكما قال الأول:

ولو نار نفخت بها أضاءت / ولكن أنت تنفخ في رماد

أحب أن أختم بهذه القصة العجيبة التي قرأتها في كتاب «خطط الشام» لعلّامة الشام محمد كرد علي، المطبوع في 1925، يقول العلّامة فيه (جزء 1 ص223) وهو يتحدث عن إمارة سيف الدولة الحمداني في حلب، وأثنى عليه، ثم ساق المؤاخذات التي عليه، ومن ضمنها كما ينقل عن المؤرخ والرحالة ابن حوقل أنه: «من كثرة مظالم سيف الدولة أن بني حبيب، وهم أبناء عم بني حمدان، كانوا ينزلون نصيبين، فأكبّ عليهم بنو حمدان بصنوف الجور حتى خرجوا بذراريهم في اثني عشر ألف فارس إلى الروم، وتنصروا بأجمعهم، ثم عادوا إلى بلاد الإسلام على بصيرة بمضاره، وعلم بأسباب فساده، وقلوبهم تضطرم حقدا».

العبرة من هذه القصة السريعة، أن سيف الدولة بسبب جوره، أغضب بعض قومه و«شعبه» لدرجة أنه «كفّرهم» بالملة.

للتذكير.. سيف الدولة، هو بطل المتنبي، والمتنبي هو شاعرنا الأكبر..