تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

رامي الريس (الجمهورية)

غريبٌ كيف يتقاطع كلام الأضداد في ما يخصّ الأزمة السوريّة وتشعّباتها اللبنانيّة. فبعدما جمع الرئيس السوري بشّار الأسد في دمشق حلفاءَه ووجّه لهم ما يتراوح بين اللوم والعتب على طول صبرهم وعدم تفجير الساحة اللبنانيّة على رغم مرور ما يزيد على عامين منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا، صدرت الدعوات الجهاديّة من الجهات المناوئة للأسد إلى الانخراط الميداني في سوريا ردّاً على تورّط “حزب الله” داخل الأراضي السورية!

وغنيٌّ عن القول إنّ هذه المواقف تخدم بالدرجة الأولى الأسد ونظامه لأنّها تؤكّد النظرية التي لطالما رفعها من أنّ تنظيم “القاعدة” وعدداً كبيراً من الحركات التكفيرية والمتطرّفة باتت على خطوط التماس داخل الأراضي السورية. وغنيٌّ عن القول أيضاً إنّ معظم العناصر الإرهابية، كما يسمّيها الإعلام الرسمي السوري، سبق لها أن ترعرعت في الأقبية الاستخبارية السورية وهي التي أرسِلت إلى العراق في مراحل متعددة.

ليس من مصلحة لبنانية بتدمير سياسة النأي بالنفس. فـ”حزب الله” الذي خاضَ مسيرات نضاليّة طويلة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي تراه ينخرط في الأحداث السوريّة إلى جانب فريق (وهو الفريق الأكثر دمويّة أي النظام الذي دمّر سوريا منهجيّاً وقصفها بالطائرات والمدفعية والدبّابات وتسبّب بمقتل ما لا يقلّ عن 70 ألف مواطن سوري) في مواجهة فريق آخر.

وفي الضفّة المقابلة، الدعوات الجهادية التي صدرت من بعض المشايخ ستُفاقم التورّط اللبناني في الأزمة السورية، وتجعل انتقال ارتداداتها إلى داخل لبنان ومضاعفة الاحتقان فيه مسألة حتميّة، ما قد يجعل الخروج منها محاولة من الصعب أن يُكتب لها النجاح.

إنّ المستفيد الأوّل من انتقال الحريق السوري إلى لبنان هو النظام السوري، وإلّا كلام الرئيس السوري عن أنّ لبنان لا يقع في قارة أفريقيا يوحي وكأنّ سياسة “النأي بالنفس”، التي أعلن الأسد عدم استيعابه لمضامينها، يُعدّ بمثابة إعطاء الإشارة لبعض “الحلفاء” في لبنان لتفجير الوضع الداخلي.

هذا المقصود بتقاطع الأضداد. أمّا المثال الآخر على تقاطع الأضداد فهو إصرار المجتمع الدولي على الوقوف موقف المتفرّج إزاء الأحداث الدامية في سوريا، وعدم تحرّكه بأيّ شكل من الأشكال، سوى من خلال البيانات والمواقف اللفظيّة، لتغيير الواقع الميداني في سوريا، وأبرز ما يُقال في هذه المجال يتّصل بتقديم الإدارة الأميركيّة مساعدات “غير قاتلة” إلى الشعب السوري، متناسيةً بذلك أنّ الشعب السوري يتعرّض للقتل ليس إلّا.

وبهذا يستفيد النظام السوري من التخاذل الدولي، في حين تذهب بعض المعارضة إلى أشكال من التطرّف الذي قد يكون مفهوماً، ولكن ليس مبرّراً، وذلك كردّ فعل حتميّ على ممارسات النظام.

وبذلك، يكون النظام قد حقّق ثلاثة أهداف مهمّة: إستمرّ بالحلّ الأمني والقمع ضدّ شعبه، وجرّ المعارضة إلى الميدان الذي يفهمه أي العنف والتطرّف، وأثبَت للمجتمع الدولي أنّ نظريّاته القائلة بوجود “القاعدة” صحيحة، لا بل إنّه قد يطالب بثمن لقيامه بهذه المهمّة الكبيرة أي محاربة الإرهاب المتمثل بالقاعدة.

وهكذا يقدّم النظام السوري نفسه على أنّه يقاتل العدوّ ذاته الذي يقاتله الغرب والولايات المتحدة الأميركية بالتحديد، واضعاً نفسه في صفّ من يحاربون الإرهاب الدولي الذي اتّخذ مساحة متقدّمة له في سوريا. إنّه فعلاً تلاقي الأضداد.

حتى إسرائيل تفضّل بقاء النظام الحالي على أيّ خيارات أخرى، لا سيّما أنّه حمى حدوده المحتلة طوال أربعين عاماً، ومنع إطلاق أيّ رصاصة ضدّ الاحتلال مكتفياً بالتنظير لسياسة الممانعة، أي المقاومة بالواسطة، مستغلّاً الساحات المجاورة، وفي طليعتها الساحة اللبنانيّة، لبعث رسائله لإسرائيل.

من أجل كلّ ذلك، من المفيد التساؤل عن المصلحة الحقيقيّة للبنان للانغماس في هذا المستنقع السوري. أليس من المؤسف أن يهدر “حزب الله” رصيده السياسي الكامل من خلال انحيازه التام إلى نظامٍ معروف مصيره الحتميّ مستقبلاً؟

هل يجوز أن تذهب البندقية التي قاتلت إسرائيل ودفعتها للانسحاب من الأراضي اللبنانية من دون قيد أو شرط في سابقة لم تحصل منذ اندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي مع احتلال فلسطين عام 1948، إلى الانغماس في القتال مع قسم من السوريّين ضدّ أقرانهم؟

إنّ استصدار المواقف السياسية والإعلامية إزاء الحدث السوري من الفرقاء اللبنانيّين مسألة مفهومة بحكم العلاقات الحتميّة والعضوية بين لبنان وسوريا، وهي مقبولة في إطار تقاليدنا اللبنانية الديموقراطية.

ولكنّ الانجرار إلى الداخل السوري للقتال والقتال المضاد ليس مقبولاً لأنّه سيزيد من مستويات الاحتقان الداخلي وسيجعل قابليّة التفجير داخل لبنان أعلى بدرجات عمّا كان قائماً في المرحلة السابقة.التعقُّل والهدوء بدلاً من الغرائزية والعبثية هو المدخل الصحيح لحماية لبنان في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخه المعاصر.

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!