وليد جنبلاط في موقفه الأسبوعي لـ”الأنباء”: مستعدون لمرونة إضافية في قانون الانتخاب للتخلص من الأرثوذكسي

      شاءت مصادفات القدر أن يرحل المناضل منيف حمّاد بُعيد رحيل المناضل رياض زين الدين وهما اللذين قدما إلى المختارة سوياً ورحلا عنها سوياً، وكانت بدأت مسيرتهما النضاليّة الطويلة من أيام كمال جنبلاط في منطقة مار الياس- فرن الحطب حتى المختارة، وبعد إستشهاده إستمرا معي حتى وفاتهما.

        لقد كان الراحلان مثالاً يُحتذى في التفاني والاخلاص والود والاحترام، وكانا مثالاً في الانضباط والالتزام. عملا في الدولة، وكانا بمثابة نموذج العامل المثالي في القطاع العام. عايشا معي ظروف الحرب الأهلية القاسية من الغزو الاسرائيلي وحصار بيروت إلى حرب الجبل والمحطات المفصليّة الأخرى. تمتّع كلاهما بطلة بهيّة وإبتسامة راقية وإستقبال متميز لجميع الوافدين إلى المختارة وقبلهما إلى دارة فرن الحطب في بيروت. وربّى كل منهما أسرةً متميزة وناجحة. برحيلهما فقد الحزب التقدمي الاشتراكي ودار المختارة مناضلان كبيران، وستبقى ذكراهما محفورة في أروقة المختارة التي كان كلٌ منهما مؤتمناً عليها بشكل أو بآخر.

        وفي سياقٍ غير بعيد، ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها الحزب التقدمي الاشتراكي وقيادييه إلى حملات تشهير مغرضة لا سيّما من إحدى الصحف “الغرّاء”، وهي ليست المرة الأولى التي تُشن فيها هذه الهجمات القائمة على مغالطات. لذلك، لن نتوقف عند الحملة البغيضة التي طاولت الرفيق غازي العريضي وهو الذي خاض مسيرة نضالية طويلة مع كمال جنبلاط ورافقني في الأيام القاسية وتولى مهمات سياسيّة أساسيّة ومفصليّة في أصعب الظروف وأدقها، ومسيرته ليست بحاجةٍ للدفاع عنها من هذا أو ذاك.

        سياسياً، إذ نسجّل تقديرنا للأسلوب الهادىء والرصين الذي يدير به الرئيس المكلف تمّام سلام مسألة المشاورات حول تأليف الحكومة وإصراره على رفض الدخول في المحاصصة والكيديّة، وسعيه لتطبيق المداروة التي نؤيدها، فإننا نتطلع لأن تسهّل كل القوى السياسيّة مهمة التأليف لادخال البلاد في مرحلة سياسية جديدة يكون عنوانها الاستقرار بدأت طلائعها بالظهور، والمحافظة عليها مسؤولية جماعيّة وليست مسؤولية فرد أو مسؤول بعينه.

        أما فيما يخص قانون الانتخاب، ومع بروز بعض المؤشرات الايجابيّة لناحية تقدّم القبول بمبدأ القانون المختلط الذي يجمع بين التصويت الأكثري والنسبي، فإننا نجدّد إستعداد الحزب التقدمي الاشتراكي على التحلي بالمرونة المطلوبة وتقديم المزيد من الخطوات الايجابيّة إذا كان الهدف منها تعزيز فرص التوافق حول القانون الانتخابي المنتظر. والحزب على إستعداد لمعاودة الحوار في هذا الخصوص مع جميع الفرقاء لتحقيق هذه الغاية وللتخلص من مشروع التفتيت المسمّى مشروع اللقاء الارثوذكسي، فنحوّل بذلك قانون الانتخابات إلى فرصة للتلاقي بين اللبنانيين بدل تكريس الانقسام فيما بينهم.

        في مجال آخر، وبعيداً عن نظريّة المؤامرة التي إزدهرت في العالم العربي وتم إستغلالها على مدى عقود، لكنها مصادفة غير بريئة أن تحدث تفجيرات بوسطن بعد أيام من تهديد الرئيس السوري وحديثه عن تنظيم القاعدة الذي تحوّل إلى تسمية مطاطية تُستحضر غب الطلب وهي بمثابة لغز كبير خصوصاً أن طلائع هذا التنظيم ترعرعت تحت جناح النظام السوري الذي إستخدمها في العراق، وتحت أجنحة أنظمة إقليمية أخرى إستخدمتها في أفغانستان والعراق. وهذه التفجيرات مدانة بشدة، كما هي مدانة أية تفجيرات إرهابيّة تستهدف المدنيين والأبرياء الذين لا ذنب لهم في الحروب والصراعات.

Jumblatt- Junior Ministers Bell &McCann

        أخيراً، إذا كان من خلاصات توصلتُ إليها من خلال زيارتي لايرلندا الشمالية التي لبيتها بدعوة مشكورة من السفير البريطاني في لبنان طوم فليتشر وبرفقته وهي قد أتاحت لي فرصة التعرّف على تفاصيل هذه القضية التاريخية من خلال مجموعة من اللقاءات مع رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونواب وشخصيات عديدة من الفريقين.

 فالصراع الذي إستمر طوال خمسة قرون وتحوّل إلى نزاع دموي بعد إستقلال إيرلندا الجنوبيّة في العام 1920 عُولج من خلال مبادىء أربعة أساسيّة، هي: الحوار، الاحترام، الثقة والصبر (Talk- Respect- Trust- Patience)، وقد إقتبستُ هذه المبادىء من قس بروتستاني نال ثقة الكاثوليك وترك لديّ انطباعاً وتأثيراً كبيراً. والتجربة مهمة وجديرة بالدرس وإستخلاص العبر.

        فهل من الممكن أن نصل في لبنان إلى مرحلةٍ تطغى فيها هذه المبادىء الاربعة على خطابنا السياسي والاعلامي بدل السقوط المستمر في دوامة التخوين والتخوين المضاد، والتشهير والتشهير المضاد؟ إن طبيعة النزاع الذي كان قائماً في إيرلندا مختلفة حتماً حتى طبيعة النزاع اللبناني الداخلي، ولكن المثال الايرلندي يقدم دليلاً على أن التسويات السياسية والتاريخية قد تكون صعبة ومؤلمة ولكنها حتماً غير مستحيلة.